نظر الزعماء الأميركيون في الأعوام الثلاثة الماضية إلى إدارة أوروبا لأزمة اليورو بازدراء يكاد أن يكون علنياً. لم يصدقوا في البيت الأبيض وفي تلة الكابيتول أن السياسيين الأوروبيين يمكن أن يكونوا على هذه الدرجة من انعدام الكفاءة في التعامل مع مشكلة اقتصادية؛ أن يكونوا على هذا المقدار من التعلق بإجراءات اللحظة الأخيرة قصيرة الأمد؛ وعلى هذا المقدار من العجز عن الاتفاق على استراتيجية بعيدة المدى للعملة الموحدة. كل الانتقادات هذه صحيحة، ولكن على من وجّهها أن يزيل الحجاب عن عينيه. قد لا يكون الاقتصاد الأميركي بالحالة ذاتها من السوء كاقتصاد أوروبا لكن فشل السياسيين- تمثل في اتفاق الساعة الأخيرة لتفادي كارثة «الهاوية المالية»- يشير إلى أن نموذج واشنطن من الفشل في أداء الوظائف، يشبه ما يجري في منطقة اليورو من ثلاثة أوجه تدعو إلى الإحباط. الأول هو العجز عن تجاوز التسويات الجزئية. تعمقت أزمة اليورو بسبب الفشل المتتابع للسياسيين الأوروبيين في علاج نقاط الضعف البنيوية للعملة الموحدة، بلجوئهم إلى علاجات موقتة، يجري التفاوض عليها عادة في وقت متأخر جداً. مشكلات أميركا مغايرة، فبدلاً من مواجهة أزمة ديون ماثلة، على غرار حال العديد من البلدان الأوروبية، تحتاج أميركا إلى التعامل مع هوة هائلة لكنها بعيدة المدى بين عائدات الضرائب وتعهدات الإنفاق، خصوصاً في الرعاية الصحية من دون أن تضغط على الاقتصاد بشدة في المدى القريب. لكن السياسيين الأميركيين يظهرون اليوم كمتعلقين تعلقاً مشابهاً (للأوروبيين) بدفع المشكلة إلى الأمام حتى اللحظة الأخيرة. الاتفاق بين أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين والبيت الأبيض والذي تم التوصل إليه ليلة رأس السنة وأقره المجلس في الساعات الأولى من السنة الجديدة ومرره مجلس النواب في اليوم ذاته، جنب البلاد شبح الركود. وألغى أكثرية الزيادات الضريبية الكبيرة التي كان يفترض أن تدخل حيز التنفيذ في الأول من كانون الثاني (يناير) باستثناء تلك المفروضة على كبار الأثرياء وأوقف موقتاً كل إجراءات تقليص الإنفاق. وعلى غرار العديد من قمم الأزمة الأوروبية، التي حالت دون كارثة كلية: وبدلاً من خسارة خمسة في المئة من الاقتصاد (على ما كانت تهدد به الهاوية المالية)، سيكون هناك الآن المزيد من التقليص القابل للإدارة لواحد في المئة من إجمالي الناتج المحلي في 2013. وأجمعت الأسواق على التعبير عن الراحة لذلك، ولكن كم سيدوم؟ بالكاد أرجئت التقليصات في الإنفاق لشهرين، وهي المدة التي يتعين على الكونغرس أن يصوت فيها لزيادة سقف الدين إذا تمكنت الخزينة من الاستمرار في دفع السندات المتوجبة عليها. بالتالي سيظهر المزيد من المبارزات حول الموازنة في الأسابيع المقبلة. يتجاهل العلاج الموقت مشكلات أميركا المالية الكامنة. ولم يفعل أي شيء للسيطرة على الطريق الذي لا يمكن الاستمرار فيه من الإنفاق «الموجه» على الرواتب التقاعدية والرعاية الصحية وستتضاعف حصة الرعاية الصحية من إجمالي الناتج المحلي في الأعوام الخمسة والعشرين المقبلة)؛ ولم يتضمن شيئاً لعقلنة قانون الضرائب الأميركي شديد التعقيد. العلة وراء هذه النتيجة البائسة، هي تضخم نفوذ مجموعات الدفاع عن المصالح الضيقة- ما يشير إلى خط التوازي الثاني مع أوروبا. فقد عجز الأوروبيون عن الترفع عن هواجسهم الوطنية الصغيرة، سواء كانت حول مَنْ يتعين عليه الدفع لتسديد المتأخرات أو من يسيطر على الإشراف على المصارف، ما منعهم من التوصل إلى حلول وسط كبيرة، ضرورية لمستقبل العملة الموحدة. وأظهر الديموقراطيون والجمهوريون في أميركا عجزاً مشابهاً عن التوصل إلى تسوية كبرى؛ فالجانبان يتأثران تأثراً بالغاً بالمتطرفين في حزبيهما ويفرطان في التركيز على كسب تنازلات من الطرف الآخر بدلاً من العمل معاً لضمان مستقبل البلاد المالي. التشابه الثالث هو فشل السياسيين في الالتزام بالنزاهة حيال الناخبين. وعلى غرار ما تجنب الرئيس فرانسوا هولاند والمستشارة انغيلا مركل مصارحة الفرنسيين والألمان بما يتطلبه الحفاظ على العملة الموحدة، لم يتحل الرئيس باراك أوباما والزعماء الجمهوريون بما يكفي من الشجاعة لإبلاغ الأميركيين بما سيتطلبه حقاً إصلاح الفوضى المالية. سيشير المتفائلون إلى أن أميركا لا تبدو متجهة إلى أزمة ديون أوروبية الطابع في المستقبل القريب، لكن الفتيل بطيء الاشتعال يشكل مشكلة بذاته. واحد من العوارض الجانبية الإيجابية للأزمة الأوروبية أنها أرغمت بلدان منطقة اليورو على رفع سن التقاعد وإعادة النظر في الرواتب التقاعدية وتكاليف الرعاية الصحية. أما أميركا التي تملك العجز البنيوي الأكبر في الموازنة في العالم الغني بعد اليابان، فستصبح السباقة في فشلها في التعامل مع التبعات المالية لسكانها الذين يزدادون شيخوخة. وشيخوخة الأميركيين أبطأ من تلك الأوروبية لكن مع تراكم الدين وتدهور الثقة بالأعمال والاستهلاك، سيكون الاصطدام بالأرض أشد إيلاماً. وتبجح أوباما هذا الأسبوع بأنه أنجز ما فوّضه الناخبون به بزيادة الضرائب على الأغنياء. في واقع الأمر، وبفشله مرة ثانية في التخلص من مشكلات أميركا المالية الأساسية، يكون أوباما والزعماء الأوروبيون يبنون بروكسيل على ضفة نهر البوتوماك. * افتتاحية، «ذي ايكونوميست»، 5/1/2013، إعداد حسام عيتاني