تواترت أعراض أزمة اقتصادية أوروبية عامة منذ دب الركود في إرلندا أواخر 2010، وبلغت ديونها مستوى قريباً من مجمل موازنتها. وبرزت الحاجة إلى تعزيز الصندوق المالي لمنطقة اليورو، لكن الصندوق، على ما لاحظ جوزيف ستيغليتز، نائب مدير البنك الدولي سابقاً، في «ليبيراسيون» (5/4/2011) لم يرقَ إلى مستوى التحديات. فالأزمة بلغت إسبانيا حين كانت فوائضها كبيرة، ونسبة الديون قياساً إلى الناتج المحلي ضئيلة. وأفلحت إيطاليا، وهي البلد الأوروبي الثالث الذي تلوح على اقتصاده امارات بعثت على القلق، في السيطرة على عجز موازنتها موقتاً. وانتهاج الدول الثلاث، إلى اليونان، سياسة متقشفة نزولاً على الأسواق المالية يرجئ الخروج من الأزمة، ويزيد الحلقات الضعيفة ضعفاً على ضعف. وترد الحكومات على اقتراح سياسات التحفيز بدعوة القطاع الخاص إلى الاضطلاع بتحريك النمو، وتقليص الموازنات العامة، وتدني فرص التوظيف والعمل، وانقباض التنافسية الاقتصادية. ودعا ستيغليتز، في سبيل الخروج من الأزمة، إلى تنسيق السياسات المالية والاقتصادية بأوروبا أولاً، ثم في إطار أوروبي وأميركي مشترك، ثانياً، والعمل على بعث الاستثمار والحؤول دون تردي قيمة الرواتب الدنيا وتمويل قطاعات التعليم والصحة والأبحاث والبنى التحتية، على مثال الصين. وعلى أوروبا والولاياتالمتحدة إنشاء قطاع خدمات مالية عامة تتفادى «خشونة» المصارف ومعاملتها المستهلكين والمقترضين بفظاظة ربوية. والتهويل بأفول اليورو وتواريه مبالغة وحرب نفسية. فالبيزو الأرجنتيني، بعد إعلان إفلاس الأرجنتين، استأنف دوره. والأرجنتين اليوم أغنى مما كانت عليه قبل 6 أعوام بما نسبته 80 في المئة، وانخفضت البطالة في سوق العمل إلى 8 في المئة. اندثار اليورو؟ ولم يلبث فلوران أفتاليون، أستاذ الاقتصاد الفرنسي، أن جزم بأفول اليورو الوشيك واندثاره («لوفيغارو» الفرنسية، 28/4/2011). فترجيح القادة الأوروبيين دواعيهم السياسية والانتخابية على الدواعي الاقتصادية قصم ظهر العملة الموحدة، على قوله. وكانت الأسواق المالية أدركت، في 2010، أن أزمة الرهونات العقارية قوّضت القطاع المالي اليوناني. فهذا راكم ديوناً ثقيلة حملت الأسواق على العزوف عن إقراض اليونان بسعر فوائد متدنٍّ، ما أجبرها على مفاوضة دائنيها وصندوق النقد الدولي لإعادة هيكلة ديونها وإعلان عجزها جزئياً عن التسديد. ولم ترتضِ ألمانيا الحل. وسعت أوروبا في إقراض أثينا بأسعار فائدة مرتفعة. وحالت دون اندلاع أزمة سيولة في إرلندا والبرتغال وغيرهما. لكن شرط نجاعة الخطة، وهي ترمي أولاً إلى طمأنة الناخبين الألمان إلى سلامة أموالهم، تثبيت الدول المتعثرة سعر ديونها بواسطة خطط تقشف. وتفترض هذه الخطط تقليص النفقات وزيادة الضرائب، من جهة، وتحفيز النمو (من طريق الخصخصة) وتأمين فرص العمل والإسراع في بت إجراءات الإصلاح المالي والضريبي، من جهة أخرى. وخيبت النتائج التوقعات: فجاءت سلبية في اليونان. ولما كان تقويم العملة، مع اليورو، مستحيلاً، تحتمت إعادة هيكلة ديون اليونان والبرتغال وإرلندا، على رغم ما توقعه من أضرار في المصارف الفرنسية والألمانية وما تقتضيه من اقتطاع بعض عوائد الضرائب وهيكلة الديون الضخمة التي لا جدوى منها إذا لم يصحبها تقويم سعر العملة، وبعث العملات القديمة، وتقليص مساحة اليورو ومنطقته. وعلى خلاف دعوات كثيرة إلى العودة عن الإطار الأوروبي المشترك، ناشد أمارتيا سن، الأستاذ (الهندي) بهارفرد وحائز نوبل الاقتصاد في 1998، الأوروبيين استلهام بيان فانتو تيني في سنة 1941 الحالكة، ونداء ميلانو بعده في 1943، وحضهما الأوروبيين على التزام أوروبا متحدة وديموقراطية في إطار فيديرالي («لوموند»، 3 - 4/7/2011)، ونبّه سن إلى أخطار انهيار تقليد المناقشة العامة الديموقراطية، وهي ثمرة عصر التنوير، تحت وطأة أولوية المعايير المالية والسلطة غير المقيدة التي تدعيها لنفسها وكالات التصنيف المالي، وتؤيد مزاعمها الهيئات المالية الدولية. وسبق للوكالات أن عممت إجازات وشهادات في الشركات المالية قبل أزمة 2008، ثبت تضليلها، وحملت الكونغرس الأميركي على التفكير في ملاحقتها أمام القضاء. وقد تؤدي الدعوة إلى التقشف المالي، وإلى تقليص النفقات تقليصاً حاداً ومباغتاً إلى فرض حرمان يفوق الحرمان الضروري، ويزهق «دجاجة النمو التي تبيض ذهباً». فالاقتطاعات المفرطة في الموازنات تهدد النفقات العامة والاستثمارات الخاصة بالهزال، وتضعف بواعث النمو. والدين العام الثقيل، شأن ذاك الذي رزحت تحته بلدان كثيرة غداة الحرب الثانية، بدده نمو اقتصادي متصل. ولعل السبب الأول في الكارثة اليوم هو إقرار عملة واحدة من غير أن يصحبه نهج اندماج سياسي واقتصادي على مثال الولاياتالمتحدة، أياً يكن الرأي في الانتهاكات المالية التي لم تتورع بلدان مثل اليونان والبرتغال عن ارتكابها. اقتراح تقسيم وسلّط المعلقون شيئاً فشيئاً الضوء على الفروق الاقتصادية البنيوية التي تباعد اقتصادات منطقة اليورو بعضها من بعض، ولا تخولها الانضواء في منطقة نقدية واحدة، على ما نبّه كريستيان سانت إيتيان، العضو في مجلس التحليل الاقتصادي الفرنسي («ليبيراسيون»، 17/7/2011). فدول شمال أوروبا، ألمانيا وهولندا والنمسا، انتهجت نهج تنمية صناعات التصدير وخفض الاستهلاك والإنفاق الداخليين، حين تبنت دول الجنوب، فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها، نموذجاً استهلاكياً يتغذى من الاستهلاك العام. وتعاظم التباين بين الفريقين يؤدي إلى تفاقم مشكلات تعايشهما في إطار واحد. ويخلص المحلل في تشخيصه، إلى اقتراح فيديرالية أوروبية جزئية تضم بلجيكا ولوكسمبورغ وهولندا والنسما وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال وفرنسا. وعلى هذا في مستطاع اليونان اختيار يورو منخفض القيمة. وتنشأ حكومة اقتصادية وموازنة فيديرالية تتغذى وارداتها من 7 إلى 8 في المئة من الناتج المحلي للدول المنضوية. وتمكّن الحصة المقتطعة الحكومة الاقتصادية من توزيع الأموال على نحو يردم هوة الفروق البنيوية بينها. ولا بأس بصوغ معاهدة مايستريشت وأحكامها، فيمنح المصرف المركزي الأوروبي صلاحية تثبيت الأسعار وتحريك عجلة النمو في ثاني اقتصاد عالمي. واستأثر تصنيف الديون السيادية في منتصف صيف العام المنصرم، واحتمال تخفيض علاماته من «أي أي أي» إلى مرتبة أدنى، بانتباه الخبراء والمحللين. فأشار مدير شركة «بيمكو» للاستثمارات المساعد السابق لوزير الخزانة الأميركية في ولاية جورج بوش الابن الأولى، نِل كشكاري، إلى افتقار المحللين قواعد تشخيص ثابتة يستدلون بها على انهيار الأسواق («واشنطن بوست»، 31/7). وكان هناك إجماع قبل أزمة 2008، على متانة أسعار الشقق والعقارات المبنية الأميركية، وعلى صواب تصنيف ضمانات القروض العقارية «أي أي أي»، واستحالة إفلاس مصرف استثماري كبير. وترتبت على حصول ما بدا مستحيلاً أفعال انزلقت بالاقتصاد إلى الكساد، وبلغت البطالة 10 في المئة. والعوامل التي تحتسب في تقويم حجم الآثار المالية المترتبة على الطعن في الأدوات المالية الأميركية، والمقارنة بين سندات الخزينة الأميركية وبين سندات «ليمان براذرز» وأسهمه، توحي بأن تخفيض تصنيف الولاياتالمتحدة قد يفجر أزمة سيئة. لكن ثقة الأسواق بالحكومة الأميركية أكبر من ثقتها بمصرف كبير، وسوق سندات الدَيْن الأميركي تبلغ 14 تريليون دولار (بلغت ديون «ليمان براذرز» لدى انهياره 600 بليون)، وسندات الدين الأميركي ليست أوراقاً من غير قيمة... ولم تصرف الفروق مؤسسي حزب الشاي الأميركي ومديره التنفيذي، جودسون فيليبس، عن مقارنة بلاده باليونان («واشنطن بوست»، 28/7). فكتب أن إجازة الاقتراض للكونغرس، ورفع سقف الدين الأميركي، على ما يطلب باراك أوباما والديموقراطيون، تؤدي إلى الغرق في مياه إنفاق غير مجدٍ على برامج مثل تدريب المومسات الصينيات على الاعتدال في تناول المشروبات الكحولية، أو مثل إنشاء متاحف تجمع أضواء النيون وأشعار رعاة البقر... وعزت جاكلين غرابان، رئيس مجلس المعهد الأوروبي في واشنطن، بروز «حزب الشاي» الشعبوي القومي إلى انبعاث جناح يميني «جاكسوني» (نسبة إلى الرئيس أندرو جاكسون الانعزالي المتشدد) في الحزب الجمهوري، في مقابل تيار «هاميليتوني» اقتصادي تجاري وواقعي معتدل. وفي مسألة رفع عتبة الدَيْن أو سقفه تعذر على السياسيين الأميركيين الإجماع على قرار واضح وحاسم («لوموند» 3/8). هوبير فيديرين، وزير الخارجية الفرنسي السابق، رد على الدعوات الفيديرالية المتعالية علاجاً للأزمة الاقتصادية الأوروبية غداة اتفاق بروكسيل في 21 تموز (يوليو) المنصرم، بالقول إن الدَيْن الأوروبي لم ينجم عن إدارة الدول المدينة ديونها إدارة غير مسؤولة فحسب، بل نجم كذلك عن أثر الانهيار المصرفي الأميركي في النظام المالي الأوروبي كذلك («لوموند»، 1/8). وعظَّم هذا الأثر تحرير الخدمات المالية والمصرفية، وهو نزول كبير، بل هائل عن السيادة، طوال عشرين سنة، لمصلحة الأسواق المالية. فهل هناك حاجة إلى أن نكون «فيديراليين» فوق هذا؟ وهل على أوروبا الانقياد إلى سلطة 3 وكالات تصنيف ائتماني سبق أن رفعت درجات تصنيفها في 2007 من غير تبصر بالنتائج؟ تقويض المشروعية الديموقراطية والحق أن دعاة الفيديرالية الجدد يقترحون أن يتولى وزير مال أو اقتصاد أوروبي التحكيم في مسائل سبق أن أصدرت فيها حكومة وطنية أو مجلس نيابي وطني حكمها (أو حكمه). وهذا يعني بدء فصل جديد من التاريخ الأوروبي يصح القول فيه إنه ما بعد ديموقراطي. فما يضمن قبول شعب دولة أوروبية القرارات الأليمة والقاسية التي قد يرى «الوزير» العتيد ضرورة إنفاذها؟ والاقتراع على جباية الضرائب بعد إقرارها هو في صميم العملية الديموقراطية. فما هي صفة الحكومة الأوروبية التي يفترض في الحكومات والمجالس النيابية الوطنية نقل صلاحياتها الضريبية إليها؟ وفي الأحوال كلها، المهمة العاجلة هي شراء الديون السيادية وتجديد الالتزام باليورو على خلاف ما يريد المضاربون، ودعم تدخل الاتحاد الاوروبي في أسواق الديون الهالكة. وفي الخريف يحسم أمر من عامل التقرير في منطقة اليورو: الهيئات المنتخبة أم الأسواق؟ وفي الأثناء ينبغي ألا تقطع علاقة «أوروبا» بالمشروعية الديموقراطية. ولم تلبث مناقشة أسباب «الضيق الاقتصادي: الغربي الطويل، على قول جوزيف ستيغليتز («فايننشال تايمز»، 10/8) أن اتسعت وتشعّبت. فحمَّل مدير «أب مارشيه»، أنطوان برونيه، العملة الصينية شطراً من المسؤولية عن التردي الأميركي والأوروبي. فسعر اليوان الذي تفرضه الحكومة الصينية قسراً، قياساً إلى الدولار الأميركي، هو 0,15 دولار - 0,21، والفرق كبير. وحاولت الدول الغربية معالجة نتائج سعر الصرف على صادراتها وصناعاتها واحتياطاتها من طريق إقرار سياسة تحفيز خجولة، لم تفضِ إلى انتعاش اقتصادي مستدام. وولدت سياسةُ التحفيز أزمة الدَيْن في العالم الغربي، بينما يقضي الحل بإلزامَ الصين العدول عن سياسة خفض سعر اليوان. كينيث روغوف، الأستاذ في جامعة هارفرد، وأبرز اقتصاديي صندوق النقد الدولي سابقاً، دعا إلى حل يبيح التضخم، بينما تتولى فرنساوألمانيا الاضطلاع بحمل ديون الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ويقر روغوف بأن اقتراحه مستوى تضخم يبلغ 4 - 6 في المئة طوال أعوام في سبيل تقليل الدَّيْن «شرير جداً»، ويخالف نهج السياسات المالية العامة والخاصة في سبعينات القرن العشرين، يوم جعل بعضهم السيطرة على التضخم «ديناً» يدين به. وهذا لا يعفي من السير حثيثاً نحو تكامل نقدي وسياسي تتولى ألمانيا قيادته، ويغلَّب رأيها، وهي ضامنة الدَّيْن الإيطالي والدَّيْن الإسباني، في إجراءات إنجازه. ولا مناص من تنسيق نسبة التضخم على ضفتي الأطلسي، فانفراد الولاياتالمتحدة يخفض سعر صرف الدول ويطلق العنان لمنافسة تلحق الأضرار بالصادرات الأوروبية. وفي الأحوال كلها لا تستحق الاقتصادات البارزة التصنيف الذي يغدق عليها ثلاثة «أي» منفردة أم «متحدة». ويرد ستيغليتز القول القائل بأن جعبة الحكومات الغربية خالية من أدوات ناجعة. فالحكومات لم تبادر إلى توظيف الأموال في استثمارات منتجة، ولا هي بادرت إلى إعادة هيكلة الإنفاق من طريق خفض الضرائب على الرواتب وعلى الشركات التي تستثمر في قطاعات توفر فرص عمل وتؤتي فوائض عالية، وزيادة الضرائب على الأثرياء. السياسات المالية الصارمة لم تحل دون انفجار الأزمة، على ما بدا في حالَي إرلندا وإسبانيا اللتين راكمتا فوائض مالية كبيرة. والبلدان المأزومة تحتاج إلى تحفيز النمو ومضاعفته إلى الحد الذي يستجيب معه توفير فرص عمل كافية. ورد جاك دولور، رئيس المفوضية الأوروبية في 1985 – 1994، على دعاة الخروج من اليورو وبعث العملات الوطنية («لوتان»، 18/8)، فأقر بأن فكرة الحكومة الاقتصادية غامضة ولا فائدة ترتجى منها. فيبقى الحل أو الرأي الذي يقضي بتعزيز التعاون الأوروبي. ويرتب هذا اتخاذ القرارات السريعة، وتوزيع الدَّيْن جزئياً على الدول الأعضاء، واستفادتها من ضمانة الاتحاد الجزئية، في مقابل الضمانة تخفض الدول معدلات الفائدة إلى أدنى مستوياتها. وخالف روبرت سامويلسون، المحلل الأميركي الشهير، كينيث روغوف ونصيحته بتخفيض الدين و «إذابة» شطر منه بواسطة التضخم («واشنطن بوست»، 24/8). فرفع التضخم يشيع الاضطراب والخشية من حوادث مفاجئة. والمشكلة هي أن التحكم في التضخم، والسيطرة عليه، عسيران. وفي سبعينات القرن العشرين وثمانيناته أدى «التكيف» مع التضخم إلى تعمد الشركات رفع الأسعار والعمال زيادة الأجور على وجه أسرع من المنتظر. ولم تتأخر الفوائد عن اللحاق بالركب، فأصيبت سوق الأسهم بالشلل، وراكم المستهلكون المدخرات. والأمران يخالفان الغاية المتوخاة وهي زيادة الإنفاق. وقارن مارتن وولف تقليص الإنفاق في مرحلة كساد بالخطأ الذي ارتكبته اليابان في تسعينات القرن العشرين («فايننشال تايمز»، 13/9). فالعجوزات الضخمة لم تتأتَّ من إجراءات الإنعاش الكينزية، وهي في الولاياتالمتحدة بقيت أقل من 6 في المئة من الناتج المحلي، أي أقل من العجز الحقيقي طوال 3 أعوام. فعجز الموازنة يسعف القطاع الخاص على التخفف من ديونه وتسديدها، ويلجم الانكماش، وييسر التئام جروح الاقتصاد. وعلى ألمانيا الإقرار بأن الحكومات والقطاعات الخاصة الوطنية يستحيل عليها تسديد ديونها إذا لم تراكم فوائض من تجارتها الخارجية. بالتالي، يفترض في ألمانيا، وهي بلد كبير يتمتع بفوائض بنيوية في حساباته الجارية، أن تمول عجوزات الدول الأخرى على مقدار فوائضها. وإذا انهارت اقتصادات الدول المدينة فالأرجح أن يلحقها اقتصاد البلد المصدِّر. وعلى البلدان القادرة على دعم الطلب تولي هذا الدعم، خلافاً لسياسة اليابان التي استعجلت تقليص الإنفاق في مرحلة كساد وانكماش. أن رعاية التوازنات على صعيد العالم ليست أمراً ثانوياً، وبينما تنافس بلدان العالم على التوفير، لا ريب في أن تقليص حكومات مقتدرة قروضها وإنفاقها هو آخر ما يجوز الالتجاء إليه. عود الى بدء ومع امتداد الأزمة وقتاً، وتتابعها فصولاً، وظهور ضعف جدوى المعالجات التقليدية والظرفية، رجع المحللون المجربون من سياسيين سابقين إلى اقتراح أدوية بنيوية. فجدد رئيس الوزراء الفرنسي السابق، ميشال روكار، الدعوة إلى الفصل بين مصارف الإيداع وبنوك الاستثمار والتمويل («لوموند»، 1/10). ورجا روكار من الاقتراح حصر الديون المطعون فيها وقصرها على مصارف التعامل مع الأخطار، دون مصارف الإيداع. فيصيب إلغاء شطر من الديون، وهذا ثمن لا بد منه، قسماً من المصارف والأموال، ولا يضحى بالنمو ثمناً للعجز عن تسديد الدين كله. ومنذ إلغاء الفصل بين صنفي المصارف، نزولاً على إلحاح ألمانيا في الثمانينات والولاياتالمتحدة في التسعينات، انفجرت أزمة مالية جديدة كل أربع أو خمس سنوات. وندد جان كلود تريشيه، مدير البنك المركزي المنتهية ولايته، بمخالفة حكومات منطقة اليورو ميثاق الاستقرار والنمو («لكسبريس»، 12/10). ونبّه تريشيه إلى أن الميثاق قضى باستقرار الأسعار شرطاً للنمو المستدام ولتوفير فرص العمل. ولا غنى لهذه (الحكومات) عن إعداد الموازنة إعداداً حكيماً، ورعاية مستوى تنافسي لائق وأسعار إنتاج متطورة. ومسائل مثل حوكمة سياسات الموازنة ومراقبة مؤشرات التنافسية والتوازن بين بلدان الاتحاد، تشكو الضعف. وسبق لدول مثل فرنساوألمانيا وإيطاليا أن انتهكت ميثاق الاستقرار والنمو، فأضعفته وأخلّت بمعاييره. وفي الشهرين الأخيرين من العام تعاقب يورغين هابيرماز («سيتيه» 1/12) ودانيال كوهين («لونوفيل أوبسرفاتور»، 22/11) ونيكولا بافيريرز («لوبوان»، 10/11) وغيرهم على التشديد على رابطة الاتحاد الأوروبي بالديموقراطية، على ماسبق لأمارتيا سن أن نبه، وبرعاية الطبقات الاجتماعية العاملة.