علّمنا التاريخ الحديث والمعاصر للإنسانية على مدار أكثر من قرنين من الزمان أن الغالبية العظمى من الثورات الكبرى، بل الأقل حجماً وتأثيراً، في هذه الأزمنة شهدت ظاهرة تكاد أن تكون متكررة ومشتركة، ولو في أشكال وصور مختلفة، في هذه الثورات، بحيث أصبحت تمثل تقريباً قاعدة ثابتة فيها، وأعني هنا المقولة التي صرنا نحفظها والتي تذكر أن «الثورات تأكل أبناءها». تصدق هذه المقولة على الثورة الفرنسية بداية، حيث شهدنا فصيلاً واحداً ينفرد بالثورة، ومن ثم بالسلطة والحكم، ويقصي بقية الفصائل، ثم هذا الفصيل بدوره ينقسم إلى أكثر من فصيل تتقاتل فيما بينها، بحيث يصفي فصيل فرعي بقية الفصائل الفرعية، وتصعد دوماً للقمة العناصر الأكثر راديكالية من نوعية روبسبيير مثلاً، وهكذا دواليك. وقد تكرر هذا السيناريو مرة أخرى مع إحدى أعظم الثورات التالية في التاريخ الحديث للبشرية وهي الثورة البلشفية في روسيا في تشرين الأول (أكتوبر) 1917، فبعد انتصار الثورة قام فصيل فلاديمير إليتش أوليانوف الشهير ب «لينين» بتصفية بقية الفصائل المشاركة له في الثورة، ثم سرعان ما قام هذا الفصيل ذاته بتصفية رموز بداخله، سواء في حياة لينين أو بعد وفاته، خصوصاً قيام جوزيف ستالين، خليفة لينين، بإقصاء ليون تروتسكي والسعي بالطرق كافة لتصفيته جسدياً حتى تحقق له ذلك. * كاتب مصري