المتابع لمسيرة الثورة السورية منذ 20 شهراً، يدرك مدى الغل الكامن في صدور جهات عدة، منها مؤيدة ومنها معارضة،(...) فحين تجتمع الإرادة على اختلاف حامليه، على ضرورة قتل الكردي، لإثبات وطنيته ومشروعية حصوله على الأوكسيجين السوري، يكون العهر السياسي والحالة الدوغمائية هي السائدة سورياً، ولو دققنا في كل التصريحات والدعوات منذ بداية الثورة وإلى اليوم سنجد الكم الهائل من الاستفسار عن عدم إراقة الدم الكردي بكثافة، فمن تصريحات: أين دماء الكرد؟ إلى لماذا لا يحمل الكردي السلاح ؟ مروراً بالاستفسار المقيت هل يعقل أن لا يموت الكردي كما أموت؟ انتهاء بمصطلح «على رأسكم ريشة أحنا نموت وأنتو لا، مدينتنا خربانة وأنتو لا» الذي يطلقه ضيوفنا من باقي المحافظات، الذين شاركناهم بيوتنا ولقمة خبز أطفالنا، وكأن الله قد خصص الكردي من دون سواه، في شتى أصقاع الدنيا، بالقتل والموت، ولو شرحنا خارطة الثورة السورية لوجدنا الآتي: عامودا ثاني مدينة خرجت للتظاهر، قامشلو خرجت بعد حمص مباشرة، وحين كان الكرد يعانون الملاحقات والاعتقالات والاغتيالات، كان لا يزال أكثر من نصف سورية في ثبات، بل كان الكرد متهمين بالانفصال والخيانة، لمجرد رفعهم العلم الكردي، أما موقف مكونات سورية من الثورة السورية، فبإمكاننا طرح الحالة الثورية لكل منها: المسيحيون: منذ بداية الثورة وهم على الحياد أو في أغلب الأحيان مؤيدون للنظام، بل شهدت قامشلو مناوشات ضد الأكراد لمنعهم من التظاهر، وإذا استثنينا المنظمة الأشورية التي بينت موقفها من الثورة، فإن الغالبية الساحقة الباقية مؤيدة للنظام. الدروز: منذ بداية الثورة وإلى اليوم هم أيضاً على الحياد عملياً، وإن كانت هناك أصوات تتعالى ولهم بعض المعتقلين، إلا أن السويداء بقيت في منأى عن الخراب والدمار. العلويون: هم أيضاً وبطبيعة الحال ليس لهم أي حراك يُذكر. المرشدون والإسماعيليون: لم يُسمع لهم صوت. ولابد من التذكير - كي لا نتهم بفظاظة - بأنني أتمنى وأدعو وأصلي لأجل جميع مكونات سورية، عرباً وكرداً، مسيحيين ومسلمين، ودروزاً وباقي المكونات جميعها، وأتمنى أن لا يُخدش ظفر طفل واحد، وأن لا تتعرض أي مدينة للسوء أو الخراب، وأتوسل لرب العباد أن يبعد شبح الاقتتال والخراب والموت عن جميع سكان سورية، كما وليست لكلماتي أي دعوة أو معنى أو هدف يرمي إلى التشهير أو التشكيك، لكن فقط هي موضع استفسار واستغراب، كل هؤلاء غير مشاركين في الثورة، ويجدون أنفسهم غير معنيين بالثورة، ويقفون إما على الحياد، وإما كطرف ثالث، من دون أن يكترث بهم أحد - وهذا يفرحني جداً أن أجد ألوان المجتمع السوري بخير وعلى قيد الحياة - لكن لماذا التركيز تحديداً على الشعب الكردي والمناطق الكردية، وفي توصيف المدلولين ( الشعب، المناطق) نجد أن المعارضة السورية وبعض الكتائب المسلحة لا تستخدمهما سوى حين العمل على استجرار الكرد إلى أتون الدمار، والرغبة في التخلص من أكبر قدر ممكن من أفراد الشعب الكردي، أما في قاعات المفاوضات والحوارات والمؤتمرات فإن مصطلح الشعب والمناطق الكردية غائب وممنوع من الصرف والتكلم به، هل هذه الحالة هي صورة سورية المستقبل؟ وهل يعقل أن يكون تمثيل التركمان في الائتلاف الوطني الجديد مساوياً لنسبة التمثيل الكردي، وهم الذين لم يسمعوا بالثورة السورية بعد، ولم يشاركوا ولو للحظات فيها، خصوصاً إذا علمنا أن عدد أفراد عشيرة كردية واحدة يفوق عدد التركمان في سورية؟ وحتى المسيحيون هم أكثر عدداً من التركمان، فبأي حق يتم تمثيل الأشوريين بمقعد واحد في مقابل ثلاثة مقاعد للتركمان، هي تركيا والعقليات العروبية الضيقة والشوفينية التي لا تستهوي رؤية الكردي على قيد الحياة، ولا حاصلاً على حقوقه الدستورية المشروعة. إن الحقوق الثقافية التي يمننونها بها، ما هي إلا دليل على الاستخفاف بالعقل الكردي، وهي نتيجة طبيعية لما آلت إليه الحالة الكردية من تشرذم وضياع وترهل وانقسام، إذا كان الكرد أنفسهم يتخاصمون ولا يعرفون ما يريدون، فهل سيأتي الغريب ليعطينا حقوقنا ومستحقاتنا. أي حقوق ثقافية هي تلك التي ستحمي شعباً من الاستباحة من جديد، تُرى هل يعقل أن يتحول الكرد بعد نضال نصف قرن إلى طالبي حقوق ثقافية ولغوية. اليوم باتت محافظة الحسكة تشهد مناضلين جدداً، حتى الأمس القريب وحتى بعد مضي أكثر من عام، كان أغلب ساكني محافظة الحسكة - باستثناء الكرد وقلة من الآخرين - من اشد المدافعين عن النظام، وبقدرة قادر خلال لحظات وبمجرد قدوم بعض الكتائب المسلحة انقلبوا 180 درجة ليصبحوا معارضين، أي مبادئ يحمل هؤلاء، وأي ثورة هذه التي يشاركون بها لتغيير نظام من دون أن يغيروا عقولهم؟ هم يرغبون في رؤية الدم الكردي يهُدر ثم سيكتفون بمقولة «والله الأخوة الكرد كحلوها». لا أرغب في تكحيلكم هذا إذا كان على حساب الدم الكردي. ربما لا يدرك هؤلاء أن النظام العالمي المعاصر هو من يقرر ويتحكم ويرسم ... وما على الشعوب إلا التنفيذ.