تكالبت علينا، نحن بني البشر، وحوش من نوع جديد، سيطرت علينا بإحكام وأطبقت على أنفاسنا. وحوش خبيثة في أساليبها وذكية في اختيارنا كطرائد لها. خفية في شن حروبها وسافرة في تهديمنا بالعلن. إن فيروسات العصر الحديث قد تكون أخطر على الإنسان من ديناصورات العصور العتيقة وحيوانات البرية التي لم تخف غريزة البقاء لديها وأرغمت الآدمي صاغراً على الانضمام الى قائمة أطعمتها وسلسلتها الغذائية. إن الفيروسات، تلك الكائنات الدقيقة التي لا ترى بالعين المجردة كالفيروس المسبب لمرض الإيدز، هي بلا شك فتاكة، لكننا اليوم كأفراد ومجتمعات تم استباحتنا من قبل فيروس أخطر هو فيروس الاكتئاب. من الناحية العلمية لا وجود لفيروس يندرج تحت مسمى «فيروس الاكتئاب» لكن ما دعاني إلى إطلاق هذه التسمية هو مدى انتشار مرض الاكتئاب بيننا. تشير الإحصاءات إلى أن هناك ما يزيد على 250 مليون شخص يعانون من الاكتئاب حول العالم، أليس هذا المؤشر برهاناً على أن هذا المرض لا يقل خطورة عن الأمراض الموبئة؟ تنبه أهل الاختصاص ووضعت النظريات لمعرفة هذا المرض وتحليله من كل الزوايا للتعامل معه وبالتالي القضاء عليه. يعرّف عبد الستار إبراهيم الاكتئاب بأنه ليس هو الحزن الموقت على وفاة عزيز، أو ذلك الهبوط في المزاج الذي يتملكنا بين الحين والآخر، وليس هو مجرد إحساس بالوحدة تنتهي بزيارة صديق أو مبادلة الحديث مع أحد الأصدقاء، فعندما يذكر الاكتئاب تذكر معه الكثير من خصائص الاضطراب النفسي بما فيها المزاج السيئ والتشاؤم والشعور بالهبوط وبطء عمليات التفكير وان كل ما كان يسرنا بالأمس القريب لم يعد اليوم يحمل إلا مشاعر الأسى والحزن. بعبارة أخرى يعبر الاكتئاب عن كل تلك الآلام النفسية والجسمية. تاريخياً لوحظت التغييرات السلوكية التي يعاني منها المكتئب، وقد ذكرت تشخيصات لها في نصوص الحضارات القديمة، لدى قدماء الإغريق والأنكليز. مما سبق يمكننا نحن القراء العرب البسيطين الذين لا نملك بالضرورة مثل عقلية أبو علم النفس الحديث فرويد لتشخيص علاتنا وبصيرة فذة لاستيعاب قسوة الحقيقة، (ان نعترف بأننا) شعوب مكتئبة تعاني من تراكمات الماضي الحضاري العظيم الذي نرثيه ومن حالٍ قاسٍ معاش. إن موجة الربيع العربي لم تسقط أنظمة فقط بل حركت المياه الراكدة التي غمرت حياتنا ودفعت إلى السطح ضحالة الترسبات والطفيليات التي علقت بنا. نعاني بشكل جماعي ولكن بدرجات متفاوتة من قبح الاكتئاب، فلننظر من حولنا ونبدأ في الاعتراف بمشكلاتنا التي تتلاعب بأقدارنا... ألا أيها العُرب افحصوا لتصحوا فتصحّوا!