ظهرت أمراض مختلفة نتيجة لتقدم المجتمعات وتطورها وتسارع الحياة المصاحب لها، ومن هذه الأمراض الاكتئاب، هو مرض لا يفرق بين الأذكياء والعاديين والمثقفين والعامة ولم يعد يقتصر على الكبار بل يصيب الأطفال، ويسمى بمرض العصر حيث أطلق المراقبون وصف مرض العصر على الاكتئاب النفسي بسبب الانتشار المتزايد لهذا المرض في كل مجتمعات عصرنا الحالي بصورة غير مسبوقة، ويؤكد مدى تجذر الاكتئاب الأرقام التي وردت في تقارير منظمة الصحة العالمية التي تشير إلى أن 7% من سكان العالم يعانون من الاكتئاب، وتشير إحصائيات حديثة إلى أن 18 – 30 % من البشر يصيبهم الاكتئاب في فترة من فترات حياتهم، بمعنى أن كل واحد من ثلاثة قد يصاب بالاكتئاب، كما تبين الفروق بين الجنسين أن النساء أكثر معاناة من اضطراب الاكتئاب منه عند الرجال حيث ينتشر بنسبة ثلاثة أضعاف عند النساء منه عند الرجال، كل ذلك وتشير الإحصائيات إلى أن أكثر من مليار إنسان في العالم يعاني من الاكتئاب. ويعتبر الاكتئاب أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً بعد القلق، ومن أكثر المشكلات الانفعالية التي تدفع الناس لطلب العلاج النفسي، ويعتبر الاكتئاب مع القلق أعلى نسبة مراجعي المراكز النفسية وأكثر الفئات طلباً للعلاج والبحث للعون النفسي، وخصوصا الاكتئاب التفاعلي المرتبط بالظروف البيئية والحياة الضاغطة والمشكلات التي تواجه الناس في حياتهم الأسرية والمعيشية. ما هو الاكتئاب؟ مثل كثير من الاضطرابات النفسية والوجدانية تظهر على مريض الاكتئاب مجموعة من الأعراض بعضها عضوي وبعضها ذهني مزاجي، وهو مرض نفسي مزمن وشامل، يؤثر على جسم الإنسان ومزاجه وأفكاره، وببساطة يشمل السلوك، والأفكار والمشاعر. وهو حالة من الحزن والأسى المستمر وتظهر على المريض الأعراض التالية:- الكدر: سيطرة مشاعر الأسى والحزن والكدر وانعدام البهجة والاستياء المستمر، انخفاض مستوى النشاط الحركي والخمول حيث يقل مستوى النشاط عن المعتاد وفقدان المتعة في الأنشطة التي كان يستمتع بها. إهمال الاهتمام والعناية الجسمية: حيث يغلب على مظهرهم الإهمال وممارسة سلوكيات غير صحية. الشعور بزيادة الأعباء: حيث يبدأ الشكاوى من كثرة الأعمال. الشكاوى الجسمية والآلام العضوية، ومن الشكاوى الجسمية المميزة للاكتئاب النوم المتقطع، صعوبة الاستيقاظ في الصباح، اضطرابات الشهية وعدم الرغبة في تناول الطعام، وفقدان الوزن، وقد يحدث العكس، ومن الشكاوى الصداع وآلام المعدة وتقلصاتها وفقدان الرغبة الجنسية. توتر العلاقات الاجتماعية وضعف المهارات الاجتماعية. مشاعر الذنب واللوم المرضي للنفس، حيث يسود لديهم الشعور بالتقصير والإحساس بأنهم عالة على الآخرين. التصور أو الإدراك السلبي للبيئة والتفكير الانهزامي، وأهم ما يميز المكتئب أفكاره السلبية والتشاؤمية وفقدان الأمل وقد تقود هذه الأفكار إلى التفكير في الانتحار. أسباب الاكتئاب التفسير الحيوي أو الأسباب العضوية تشير إلى أن هناك موصلات للسعادة تكون مؤهلة أن تقل٬ّ أو قد تكون قليلة عند الأشخاص المصابين بالاكتئاب، والأبحاث الجديدة أكدت أن مرض الاكتئاب يحدث نتيجة لاضطراب نسبة المعادن في الجسم، ولقد وجد أن جسم الفرد المكتئب يحتفظ بكمية صوديوم تزيد 50% عن الشخص الطبيعي، وباستعمال عقار «الليثوم» وهو من المعادن التي تعيد للصوديوم توازنه في الجسم٬ فإن مرض الاكتئاب لا يرتد مرة أخرى، ولهذا يستعمل هذا العقار في الوقاية من مرض الاكتئاب. إن الخبرات الصادمة المتتالية قد تشكل حالة من خيبة الأمل، أو أن خبرات الحياة القديمة كفقدان أحد الوالدين أو شخص مقرب كلها أسباب تؤدي للاكتئاب بالإضافة إلى الإساءة الجسدية والتعرض لحالات حرمان في الطفولة، كما أن التفكير غير السليم يؤدي إلى الاكتئاب، كما يؤدي بالبعض إلى الابتعاد عن الناس لفترة معينة والانعزال عنهم، وقلة اهتمامه بمحيطه ووحدته إلى حدوث اكتئاب، ويؤدي تراكم الضغوط كما يصيب المرء حالة من ضعف القدرة وفقدان الحيلة على السيطرة على مجريات الحياة والتغلب عليها. اكتئاب المراهقين حالات عاطفية تنتشر لدى الشباب حالات اكتئاب مرتبطة بنموهم العاطفي والتغيرات الهرمونية، كما أن الحالات العاطفية وعلاقات الحب المتعثرة لدى الشباب قد تؤدي إلى الاكتئاب وغالباً ما يتطور اكتئاب الشباب إلى اضطراب الوجدان أو ما يسمى بالاضطراب الوجداني. أنواع الاكتئاب وللاكتئاب عدة أنواع منها الاكتئاب المتكرر، واكتئاب ما بعد الولادة، واكتئاب الأطفال، والاكتئاب الموسمي، والاكتئاب الداخلي وغيرها من أنواع الاكتئاب المنتشرة على نطاق واسع بين البشر. واجب المجتمع تجاه المكتئب وعن واجب المجتمع تجاه الشخص المكتئب نؤكد على أهمية المساندة الاجتماعية والنفسية والطبية المقدمة من قبل المختص أو الأسرة كدور أولي للتغلب على مصاعب الاكتئاب وأعراضه المزعجة، كون الاكتئاب اضطراباً أصيلا يسبب حالة من الضجر والضيق لدى المكتئب، كما نشير إلى ضرورة الاهتمام بمرضى الاكتئاب وعدم اتهامهم بأنهم بعيدون عن الدين وعن الله لأن هذا يزيد من اكتئابهم وبعدهم عن الله. وكون مرض الاكتئاب ثاني أكثر الأمراض المزمنة انتشاراً بعد أمراض القلب نؤكد أهمية طلب المساندة الطبية أو الدوائية في الحالات المتقدمة التي يصعب التحكم فيها من قبل المريض نفسه، كما يجب على الأهل عدم الإيمان بالترهات الخاصة باستخدام العلاج أو الإدمان واعتماد الجسم على مضادات الاكتئاب، فكل مضادات الإدمان التي يتم صرفها تحت إشراف طبي مباشر آمنة ولا تسبب الإدمان أو الاعتماد الدائم من قبل المريض عليها. العلاج سوف نلخص أهم طرق العلاج الخاصة بمرضى الاكتئاب، وأهمها: * معالجة الأفكار والمشاعر السلبية مع مختص في العلاج النفسي. * الاسترخاء العضلي والتخيل مفيد لمقاومة الاكتئاب وعلاجه. * السيطرة على المخاوف والإحساسات السلبية. * ممارسة الأنشطة الرياضية والشروع في الأعمال وكسر الملل. * زيادة قدرة المريض على حل مشكلاته بفاعلية. * المساندة الأسرية وخصوصا من قبل الوالدين أوالزوج للزوجة والعكس. * مراجعة الأطباء والعلاج الدوائي في الحالات المتقدمة. * تدعيم الجوانب الإيمانية والدينية، حيث تلعب الجوانب الدينية دورا مهما في تثبيت القناعات الفكرية والرضا كما تحقق الجوانب الروحية درجة من الطمأنينة وتزود المريض بالعديد من القناعات حول الحياة والناس مما يجعله على درجة من التوافق مع بيئته وتحمل الضغوط. شباب يرون أسباب اكتئابهم الطالبة الجامعية فيروز تقول إنها عانت في فترة من فترات حياتها من اكتئاب شديد ما استدعى ذهابها لطبيب نفسي لتلقي العلاج اللازم وتوضح فيروز أن المجتمع لا يراعي مرضى الاكتئاب حيث لا يعرف الناس حجم معاناة الشخص المكتئب ولا يدركونها، فيزيدون من اكتئابه دون علمهم، مشيرة إلى أن حزنها بدأ بوفاة والدها فأصبحت لا ترى من الحياة إلا الجانب المظلم حيث تقول «بعد وفاة والدي أصبت بحالة من الحزن الشديد انعزلت خلالها عن الناس فلم أعد أذهب للجامعة ولا ألتقي بصديقاتي، حتى أنني فكرت في الانتحار، فوالدي كان أقرب الأشخاص لدي، وتضيف «وبعد فترة من العزلة أجبرتني والدتي على الذهاب للطبيب النفسي حيث شخص حالتي وأعطاني العلاج اللازم لأخرج على أثره من عزلة طويلة « وحسام ابن ال 24 ربيعاً يعاني من اكتئاب شديد لوجود علة في جسده حيث يقول «ولدت وأنا أعاني من تشوه في الوجه خلق بداخلي حالة من الحزن الدائم وشعوراً بالنقص مشيراً إلى أن هذا الاكتئاب والحزن الذي يعيش فيه أدى في بعض الأحيان إلى فقدان الثقة بالنفس والانعزال الدائم عن الناس. من جهتها تعتقد لبنى أن المجتمع هو سبب اكتئابها كونها بلغت الثلاثين ولم تلق شريكاً لحياتها حيث تقول «الأشخاص من حولي هم سبب ألمي وكثرة تفكيري بالغد الذي أدخلني في حالة من الحزن الدائم والأرق الشديد موضحة عدم قدرتها على الخروج من هذه الحالة « ويقول عماد محمد – 22 عاماً – والدي هو سبب اكتئابي فهو أب ظالم يعاملني بقسوة منذ الطفولة والآن أنا أدرس التخصص الذي يرغبه هو فقد منعني من دراسة الهندسة حسب ما كنت أتمنى.