«وجدناه وحيداً في الشارع»، تقول فاطمة وهي أم لطفلين هاجرت معهما من قريتها القريبة من الحدود السورية الأردنية للسكن عند أقارب لها في أحد أحياء العاصمة عمان، وتتابع: «هربت مشياً على الأقدام، ربطت طفلي الصغير على ظهري وأمسكت بأخيه الأكبر من ذراعه لأساعده في الركض كي نصل إلى الحدود بأسرع وقت، بعد أن استشهد زوجي. ولكن، فجأة وجدت على قارعة الرصيف، طفلاً لا يتجاوز الخمس سنوات وحيداً!». لم يجب ما اسمه، فخيرته فاطمة بين محمد أو أحمد أو؟ هزّ برأسه وكأنه يريدها أن تتوقف عند أحمد، أو ربما هو كان اسمه الحقيقي. لم تستطع فاطمة، على رغم حملها الثقيل ترك أحمد ليضيع، هو الذي لا يستطيع تذكر اسم قريته أو الطريق إليها. لاحظت ارتعاشه مع كل زخّة رصاص أو دوي قنبلة، أصوات تخيفه وتؤلمه، قد تكون دمّرت بيته أو قتلت أحد رفاقه أو أخوته. لا يعرف أحمد شيئاً عن مصير أهله، قد يكون ركض هارباً من القصف، ولعلّه ركض أسرع من الجميع وفقد صلته مع أهله. قد يكون ركض، وربما لا يزال صوت أمه عالقاً في أذنيه: «أهرب يا أحمد، أسرع... يا ماما أسرع». تحاول فاطمة يومياً وبمساعدة سوريين داخل البلاد وخارجها، أن تجد طرف خيط يوصل أحمد الصغير لأسرته، وتوضح: «أشعر بقلب أمه الذي يحترق عليه يومياً، أحببت هذا الطفل لكني لن أوفر جهداً حتى أعيده لها»، تزداد حماستها، ولكنها سرعان ما تستطرد بحرقة: «على أمل أنها لا تزال حيّة». انفصال قسري حال أحمد لا تختلف عن حال أطفال سوريين كثر أجبرتهم عشوائية العنف على التشرد والانفصال عن ذويهم، أطفال وصلوا من مناطقهم المنكوبة إلى العاصمة أو مدن أخرى داخل أو خارج الحدود من دون صحبة أي فرد أو قريب من عائلاتهم. وعلى رغم أنهم ليسوا أيتاماً أو مجهولي النسب، أصبحوا تحت رعاية موقتة من أسر سورية أخرى لا صلة لها بهم، من قريب ولا من بعيد. تؤدي ظروف الحرب إلى اقتلاع الأطفال والفتية من بيئتهم، في وقت يكونون في أمس الحاجة إلى الاستقرار. وأثناء الهرب من العنف يتشرد أطفال وينفصلون عن أسرهم، ويصبحون نازحين أو لاجئين وحيدين ما يجعل عملية جمع معلومات كافية للبحث عن ذويهم أو من يمت لهم بقرابة صعبة للغاية وبخاصة لصغار السن منهم والذين لا يستطيعون الكلام بعد، ليصبح البحث والتحري من بيت إلى بيت الوسيلة الوحيدة والأمل بمعرفة قريب ما، ولكن حتى هذه الوسيلة تصبح مستحيلة في ظلّ خناق أمني مشدد كما هو الحال في سورية اليوم وحيث تفضّل أي أسرة التكتم عن رعايتها طفلاً مشرداً خوفاً من المساءلة والمحاسبة والاعتقال. ويعتبر تسجيل كل ما يعرف من تفاصيل عن أي طفل من هؤلاء الأطفال المشردين والاحتفاظ بما يتوافر من وثائق خاصة بهم، أمراً في غاية الأهمية يساعد مستقبلاً في تعقب أثر عائلة الطفل ومعرفة أحد أفرادها أو أقاربها، ويساهم في حماية الأطفال المنفصلين عن ذويهم، من استغلالهم لأعمال سيئة أو استخدامهم بصورة غير مشروعة. وسجّلت دول الجوار المضيفة حالات متعددة لأطفال، وصلوا إلى مخيمات اللجوء وحيدين ومن دون أهل أو أقارب. وتناقلت وسائل الإعلام، أخيراً، قصة طفل سوري اجتمع في قبرص مع أهله بعد تشرد طويل وبعد أن اعتقد أهله أنه في عداد الموتى جراء القصف الذي تعرض له منزلهم في ريف دمشق، وبلهفة تشرح الأم التي التقت ابنها بعد غياب: «عثر عليه أحد الشباب الناجين ووضعه في ملجأ، وبالصدفة تعرّف إليه قريب من العائلة وصار يتابع حاجاته وأحواله قبل أن يجدنا ويرسله إلينا». وأضافت: «لا أستطيع وصف فرحي وكأن ابني قد عاد من الموت». وبينما تلتقي عائلات بأطفالها الضائعين، يبقى مصير آخرين كثيرين مجهولاً، بعضهم لا يزال في ضيافة عائلات تحبه وتحن عليه، بينما يواجه بعضهم الآخر بجسده الصغير بيئة حرب وصراعات ومخاطر استغلال واتجار وحتى تعذيب وقتل. يستحق الأطفال المنفصلون عن أهله وفق الاتفاقيات الدولية كل العون، إذ يشكل هؤلاء الأطفال القاصرون والمشردون شريحة مستضعفة أكثر عرضة للخطر أوقات الأزمات والطوارئ. والجدير ذكره أن اتفاقية حقوق الطفل تنص على وجوب تمتع الطفل بحماية خاصة، وأن يمنح الفرص والتسهيلات اللازمة لنموه الجسمي والعقلي والخلقي والروحي والاجتماعي، نمواً طبيعياً وسليماً في جوّ من الحرية والكرامة.