بعد خوضها ماراثوناً صيفياً نهاية تموز (يوليو) الماضي، انعطفت الأسواق المالية الدولية نحو طريق «مفخخة» تديرها المضاربات، التي تخطط للتحكم بتقلبات البورصات حول العالم العام المقبل. ويتأثّر المستثمرون سلباً بهذه المناورات، التي تطرح عليهم غير سؤال حول مصير أموالهم وكيفية هجرة استثماراتهم، لتحقيق أرباح لا علاقة لها بمجد الماضي. ومرة أخرى، تؤثر الأوضاع السياسية والاقتصادية في الولاياتالمتحدة وأوروبا، في قرارات المحركات الاستثمارية حول العالم. في المقام الأول، يخيم الضباب على مستقبل التسهيلات الضريبية في الولاياتالمتحدة والمعروفة ب «فيسكال كليف»، لأنّ راحة الأسواق المالية الدولية وانتعاشها متعلقان جزئياً بمسارها. وينتهي مطلع العام المقبل، مفعول هذه التسهيلات الضريبية التي أقرّها الرئيس السابق جورج بوش وتبناها بنهم الرئيس الحالي باراك أوباما. لذا في حال لم يتبنَّ البرلمان الأميركي إجراءات بديلة عاجلة لتمديد هذا المفعول، يتوقع خبراء أن يتراجع الناتج المحلي الذي من شأنه أن يوجد دوامة إضافية من الكساد الاقتصادي. وهكذا، ستلجأ حكومة واشنطن إلى اقتطاع نحو 110 بلايين دولار من معاشات الموظفين الحكوميين العام المقبل. في المقام الثاني، يلمس المستثمرون الدوليون عجزاً واضحاً لدى المصارف الدولية المركزية. إذ تتسم سياساتها بالإرباك، كما لا تزال تداعياتها غامضة. وعلى رغم إقرار الاحتياط الفيديرالي الأميركي بالجولة الثالثة من خطة «الإغراق الكمي» القاضية بشراء 40 بليون دولار من السندات القابلة للتحويل شهرياً، لإنعاش القطاع العقاري الأميركي، إلا أن ردود فعل الأسواق المالية لم تكن قوية كما حصل في الجولتين السابقتين من عملية الإغراق الكمي. ويرى المستثمرون أن مثابرة المصارف المركزية على إغراق الأسواق بكميات غير محدودة من الأموال، لم تعد الحل الأنسب، بما أن الانتعاش الاقتصادي المنشود لم يدق أبوابنا بعد. على الصعيد الأوروبي، لا يستبعد المحللون أن تلجأ حكومة مدريد إلى طلب مساعدات مالية من الاتحاد الأوروبي خلال أسابيع. ويُتوقع أن تتأرجح أوضاع سندات الخزينة لدى الحكومات الأوروبية بين جبل وواد، لناحية المردود على المديين القصير والمتوسط. كما ينظر المستثمرون إلى الانتخابات الألمانية القريبة التي يمكن أن تغدر بخطط المستشارة أنغيلا مركل، خصوصاً نتيجة موقفها المتصلب إزاء أوضاع دول أوروبا الجنوبية وتحديداً إسبانيا. ولا أحد يستبعد، حتى المستثمرين السويسريين الكبار، احتمال تدحرج ألمانيا إلى أوضاع مالية حساسة، خصوصاً بعد صدور التقارير الأخيرة حول تراجع إنتاجها الصناعي. وهكذا، سيبدأ مردود سندات الخزينة الألمانية الصعود، على غرار ما حصل في سندات الخزينة في البرتغال واليونان وإسبانيا وإيطاليا في السابق، ما أفقد المستثمرين الشهية حيالها. إلى ذلك، تواجه حكومة باريس صعوبات في الحفاظ على المعادلة، بين الناتج الإجمالي المحلي والدين العام على سقف 3 في المئة. كما أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، المتعاطف مع الحزب الاشتراكي الألماني «أس بي دي»، أي الخصم الرئيس لحزب المستشارة الألمانية، ينتظر نتائج الانتخابات الألمانية لمباشرة العمل على هندسة سياسات اقتصادية تتلاءم مع الأزمة المالية. لكن، هل سينجح الرئيس الفرنسي، وفق تساؤلات المستثمرين، في الانتظار إلى حين صدور نتائج هذه الانتخابات، قبل التحرك لإنقاذ دولته من نيران ستأكل موازناتها بسرعة؟ أما منطقة الشرق الأوسط، فيلاحظ الخبراء السويسريون تراجع السيولة المالية في أسواقها وضعفاً في الاستثمارات الخارجية والداخلية. إذ توقظ المشاكل الجيوسياسية والتوتر الإيراني - الإسرائيلي، الحذر لدى المستثمرين.