يرى السويسريون في فصل الصيف مفترق طرق، نادراً ما كان يحمل أخباراً إيجابية للمستثمرين والأسواق المالية. ويذكر خبراء سويسريون ثلاثة أمثلة مدوية بالنسبة للاقتصاد الدولي، الأولى في منتصف آب (أغسطس) 1971 حين أعلن الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون أن شراء سبائك الذهب بالدولار مستحيل، ما فهمه الجميع على أنه إفلاس الولاياتالمتحدة. وبالطبع كان لهذا الإعلان دور في تغيير مصير الأسواق المالية العالمية وملامحها. وفي صيف عام 1992 عمل رجل الاقتصاد الهنغاري جورج سوروس على بيع أكثر من عشرة بلايين دولار لشراء كمية ضخمة من الجنيه الإسترليني، ما أربك بورصة لندن وعطلها. وأخيراً توقف خبراء سويسريون للإشارة إلى حدث مهم حصل في أيلول (سبتمبر) الماضي عندما أقدم المصرف المركزي البريطاني على إضعاف الجنيه الإسترليني أمام العملات الصعبة الأخرى، ما أدى إلى خروجه من النظام المالي الأوروبي. ويعتبر خبراء أن ما حصل في الصيف الماضي عندما ساهمت المضاربات بين سندات الخزينة الألمانية (بوند) وبقية سندات حكومات دول اليورو، أدى إلى قلب الموازنات السياسية في منطقة اليورو، واضطرت إيطاليا واليونان إلى انتخاب حكومة موقتة يطلق عليها في سويسرا اسم «الحكومة التقنية» لتصريف الأعمال. ويشير اقتصاديون إلى أن أي استثمار «صيفي» ينطوي على أخطار كثيرة، لا يمكن أن يعامل معه إلا مستثمرون عمالقة قادرون على امتصاص الصدمات المالية من دون ارتدادات قوية عليهم، إذ إن التقلبات المالية تزداد حدتها كل صيف مع غياب القدرة على تفسير ذلك. أما حجم التداولات المالية العالمية فينخفض، ما يفتح المجال أمام مزيد من المضاربات التي تنتهز هشاشة الأسواق المالية وتقلباتها المفاجئة لمضاعفة مفعولها سلباً أو إيجاباً، على الأسهم والسندات الحكومية والخاصة. وإلى جانب المضاربات، يفيد محللون سويسريون بأن ثمة عوامل تقنية تلعب دوراً في إضعاف أسواق المال في الصيف. فالكثير من المشغلين، العاملين على إدارة صناديق استثمار كبرى، يبدأون بالتخلص من الأصول التي تحوي كميات كبيرة من الأسهم والسندات، بهدف شراء أصول أخرى أكثر أماناً، مثل سندات بعض الحكومات الغربية والآسيوية. ولا شك في أن عملية تغيير هذه الأصول تحصل عندما يحقق المشغلون جزءاً مهماً من أهدافهم في النصف الأول من كل سنة، علماً أن وتيرة التقلبات في الأسواق المالية الدولية تتعاظم لدى انتقال السيولة المالية من فئة معينة من الأصول (في هذه الحال أصول ذات أخطار عالية) إلى أخرى يعتبرها بعضهم أكثر أماناً. ويبدو أن إسبانيا تتجه نحو إعادة رسملة مصارفها قريباً، وعلى رغم الأزمة المالية اليونانية ما زالت حكومة أثينا متمسكة باليورو. وكلما اشتدت أزمة هذه الدول، ارتفعت التقلبات في الأسواق المالية اعتماداً على المعادلة السويسرية المتشائمة بالنسبة لأوضاع البورصات الأوروبية، ومن ضمنها بورصة زيوريخ، حتى بداية الخريف المقبل، ما قد يحض ألمانيا على الابتعاد عن اليورو واتحاده المالي، إذ إن الحكومة بدأت تتعب من تحمّل أعباء الدول الأوروبية الأخرى.