تعددت الأسباب في شأن تعثر المفاوضات النووية التي تجريها ايران مع المجموعة السداسية الغربية والتي أدت الي تمديد هذه المفاوضات حتي 24 تشرين الثاني (نوفمبر) القادم لإعطاء المفاوضين فرصة أكبر من أجل التوصل الي تفاهمات في شأن تفاصيل البرنامج النووي الايراني. ولعل أقوي الأسباب المعلنة لهذا التعثر غياب الثقة المطلوبة بين الجانبين للتوقيع علي الاتفاق النهائي والشامل والتي انعكست علي تفاصيل المفاوضات ومنها رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة علي ايران وقرارات مجلس الامن الدولي التي صدرت بحق ايران منذ عام 2006 وحتى الآن. ومن الصعب النظر للمفاوضات النووية بعيداً من التطورات السياسية التي تشهدها المنطقة، علي رغم ان الجانب الايراني حرص منذ بداية المفاوضات الجديدة التي يقودها الرئيس الايراني حسن روحاني بنفسه ويتحمل نتائجها كمال قال، علي فصل هذه المفاوضات عن المسارات الاخري وتحديداً الملفات الاقليمية كسورية والعراق ولبنان والصراع مع اسرائيل واليمن والبحرين اضافة الي قضية مكافحة الارهاب التي اخذت ابعاداً جديدة منذ سيطرة تنظيم «داعش» علي مدينة الموصل العراقية ومناطق اخري من العراق. وقد وضعت القيادة الايرانية خطوطاً حمراً امام المفاوض الايراني كان ابرزها عدم التطرق لأية ملفات اخري قبل استكمال المفاوضات النووية والتوصل لاتفاق بشأن البرنامج الايراني وإزالة كافة العقوبات الاقتصادية في شكل يتزامن مع تنفيذ الاتفاق. وعندما طلب وزير الخارجية الاميركي جون كيري خلال لقائه نظيره الايراني محمد جواد ظريف علي هامش المؤتمر الامني في مدينة ميونيخ الالمانية العام الماضي مناقشة الملف السوري كان جواب ظريف واضحاً بانه لا يملك صلاحية مناقشة هذا الملف في الوقت الحاضر، ولا داعي لمناقشة قضية لا يمكن التوصل لاتفاق في شأنها. لكن السؤال هو هل اقنع الموقف الايراني الجانب الاميركي؟ وهل ينجح الايرانيون في التوصل الي الاتفاق مع الدول الغربية في اطار مثل هذه المواقف؟ ام ان هذه المفاوضات ستراوح مكانها حتي تتضح الصورة في ملفات اخري قد تكون أمنية تارة وسياسية تارة اخري؟ في اواخر مدة رئاسته للوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2009 نصح محمد البرادعي الجانب الايراني بفتح حوار مباشر مع الولاياتالمتحدة لانه ايقن ان ايران تستطيع إزالة كل شكوك الوكالة الدولية في شأن برنامجها النووي بعدما عملت علي الاجابة عن كافة اسئلة الوكالة نهاية عام 2007 خلال المهمة التي قادها معاون الوكالة الدولية آنذاك اولي هاينون، لكن اقناع الوكالة شيء واقناع الدول الغربية وتحديداً الولاياتالمتحدة شيء آخر. وكان هاينون واضحاً مع الايرانيين عندما قال في لقاءاته معهم ان قضية الملف النووي الايراني ليست فنية وانما سياسية. ولم تنجح حكومة الرئيس الايراني السابق محمود احمدي نجاد التي امتثلت لنصائح البرادعي فتح باب الحوار مع الادارة الاميركية بسبب تحفظ الادارة آنذاك علي مثل هذا الحوار المباشر، لكنها اعطت علائم ايجابية علي تحقيق مثل هذه الخطوة بعد الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2013. الآن يبدو ان الزمن يعيد نفسه، ومع نهاية ولاية المنسقة الاوروبية للشؤون الخارجية كاثرين آشتون التي تقود المفاوضات النووية نيابة عن الجانب الغربي، ما زالت النصيحة هي ذات النصيحة: الحوار مع الولاياتالمتحدة. ولم تتأخر طهران عن الانخراط في مثل هذا الحوار ليس في المفاوضات او علي هامشها فحسب، وانما دخلت في مفاوضات مباشرة تعتبر الأولي من نوعها في السابع من آب (اغسطس) الماضي، حيث اجتمعت مع الوفد الاميركي في جنيف برئاسة مساعد وزير الخارجية وليام بيرنز. وعلي رغم عدم تسريب معلومات كافية حول المواضيع التي تمت مناقشتها في الاجتماع الا انها كانت سياسية بامتياز. وثمة اعتقاد ان العقبة الحقيقية في مسيرة المفاوضات تكمن في ان الولاياتالمتحدة لا تنظر الي الملف النووي بعيداً من ملفات المنطقة، وهي بالتالي لا تريد تفكيك هذه الملفات في مفاوضاتها مع ايران، بمعني انها تنظر الي مشاكل المنطقة باعتبارها حزمة واحدة، وان حل اي ملف يستلزم حل جميع الملفات استناداً الي هذه الحزمة للانتهاء منها في شكل منسجم. ولا يخفي ان بعض الدول الاقليمية اضافة الي اسرائيل تمارس الضغوط من اجل حل كافة مشاكل المنطقة التي تدخل فيها ايران طرفاً ولاعباً بارزاً، وهذه الدول لا تري ان حل الملف النووي في الوقت الحاضر يخدم التطورات السياسية في المنطقة وبالتالي هي تريد حسم المواضيع العالقة قبل التوقيع علي اي اتفاق او ازالة العقوبات. وفي الحقيقة فإن هذه الضغوط تنسجم مع التصورات الاميركية لمستقبل المنطقة والدور الايراني فيها. وثمة اعتقاد ان القلق الاميركي والاقليمي ليس في شأن الملف النووي الذي ابدت ايران رغبة في تسويته مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومع الدول الغربية، وانما مع الطموح الايراني الذي يريد ان يلعب دوراً في الترتيبات الامنية والسياسية في هذه المنطقة. واذا كانت الولاياتالمتحدة عاجزة عن كبح جماح الرغبة الايرانية في لعب دور في اية ترتيبات امنية او سياسية بسبب الاوراق الاقليمية التي تمتلكها ايران وهي كثيرة، فإنها تعمد الي ترويض هذه الرغبة من خلال التمسك بالعقوبات الاقتصادية حتي تسير ايران وفق السياقات التي تخدم المصالح الاميركية وحلفائها. واستناداً الى ذلك فإن الملفات الاقليمية سواء في العراق او سورية او في المناطق الاخري مؤجلة مرحلياً حتي 24 تشرين الثاني المقبل، وعندها لكل حادث حديث.