يقوم المهاجرون غير الشرعيين من دول جنوب الصحراء الافريقية، الذين لقي 18 منهم حتفهم الأسبوع الماضي، بمحاولات أشبه ب «عمليات انتحارية» لعبور البحر إلى الأراضي الإسبانية أو بعد ترحيلهم إلى حدود الجزائر حيث يعيشون ظروفاً قاسية. وانتشلت 16 جثة بعد غرق زورقين صغيرين يحملان عشرات المهاجرين، بينما أكدت مصادر أمنية العثور الأحد على جثة رضيع ووالده (35 سنة) على شواطئ مدينة الناظور، موضحة أن أوراقهما الثبوتية تشير إلى أنهما من السنغال. ورحلت السلطات المغربية بتنسيق مع السلطات الإسبانية منذ الأسبوع الماضي ما يقارب 300 ناج حاولوا استغلال فترة عطلة العيد إما للعبور بحراً أو لاقتحام السياج الذي يفصل مدينة مليلية عن أراضي المغرب شمالاً. ويقول باتريك الكاميروني (اسم مستعار): «لا اريد ذكر اسمي أو أي تفاصيل عني، فقد تم توقيفي وترحيلي أكثر من مرة، والدرك والشرطة المغربيان يملكان صوري وبصماتي، وإذا عرفوا هويتي سينتقمون مني مستقبلاً». وفي ما يشبه «عملية انتحارية»، حاول باتريك مع مجموعة من المهاجرين قبل العيد بيومين اقتحام سياج مدينة مليلية، الذي يفوق ارتفاعه ستة أمتار وتحرسه العشرات من الجنود من الجانبين المغربي والإسباني. وفي 16 تشرين الأول (أكتوبر)، حاول نحو 300 مهاجر اجتياز السياج الفاصل بين المغرب ومليلية، ولم يتمكن سوى بضع عشرات منهم من دخول الأراضي الإسبانية، فيما أصيب الكثير منهم بجروح خطرة، وتوفي احدهم وفق إفادات مهاجرين. ويعلم باتريك أن محاولة اقتحام السياج أو عبور البحر الهائج مع اقتراب الشتاء هي «عملية انتحارية»، لكنه يؤكد «ليس لدينا حل آخر، فأنا لا أريد الموت من البرد والجوع من دون محاولة». ويصف باتريك محاولة العبور ب «الصعبة والخطيرة». ويقول: «قطعنا عشرات الكيلومترات سيراً من دون أكل وشرب. بتنا في العراء. ملابسنا رثة وأحذيتنا لا تقي أرجلنا». ويضيف: «طاردنا الجيش والدرك المغربيان في الغابة. أصيب كثيرون بجروح خطرة. هرب البعض واعتقل البعض وكنت من بينهم. طلبنا منهم الأكل والشرب لكنهم رفضوا، وانهالوا علي بالضرب المبرح». ويقول صديق باتريك الجالس إلى جانبه: «بعد أن صورونا وأخذوا بصماتنا رحلونا نحو الحدود الجزائرية. هناك أطلق الجيش الجزائري النار على أربعة منا. تركناهم وهربنا ولا نعرف ما إذا كانوا أحياء أم أمواتاً». ويعود أغلب المهاجرين الذين يتم ترحيلهم نحو الحدود، إلى غابة سيدي معافة المتاخمة لمدينة وجدة، او يستقرون في شبه مخيم وراء جامعة المدينة عند الغابة. وهناك يتكئ كثير من العائدين من الحدود على عكازات بسبب الإصابات أو يلف الجبس أرجلهم وأيديهم المكسورة. وقال تقرير امني خاص بالجهة الشرقية للمغرب، إنه بين 29 أيار (مايو) و22 تشرين الأول (أكتوبر) من هذه السنة، تم ترحيل ما يزيد على 9450 مهاجراً من دول جنوب الصحراء نحو الحدود مع الجزائر، فيما بلغ عدد المرحلين في السنوات السبع الأخيرة (20052011) 68 الفاً و945 مهاجراً. ووفق المصدر نفسه، بلغ عدد الشبكات المتخصصة في الهجرة السرية التي تم تفكيكها منذ 2005 من قبل الأمن 41 شبكة توفر للمهاجرين وسائل مختلفة للعبور مقابل الدفع، وفي كثير من الأحيان يتم الاحتيال على المهاجرين. ويتوقع حسن عماري منسق لجنة الهجرة في فرع «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان» بمدينة وجدة، ارتفاع عدد المهاجرين غير النظاميين في الأشهر المقبلة، مفسراً ذلك ب «تزايد الحديث عن قرب تدخل عسكري شمال مالي». في المقابل، حمّلت «الشبكة الأورو-أفريقية للدفاع عن المهاجرين»، وهي أكبر منظمة في هذا المجال، الوكالةَ الدولية للتعاون على الحدود الخارجية للدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي (فرونتيكس)، مسؤوليةَ غرق المهاجرين. و «فرونتيكس» وكالة شبه عسكرية مهمتها مراقبة حدود الاتحاد الأوروبي وحمايتها، خصوصاً من المهاجرين غير النظاميين. وهي قامت بتصوير القوارب قبل غرقها «لكنها لم تُعلم السلطات المعنية لتجنب الكارثة»، كما قالت الشبكة. وقال هشام رشيدي، الكاتب العام للمجموعة المناهضة للعنصرية والمدافعة عن حقوق المهاجرين والأجانب في المغرب، إن «الشبكة الأورو-أفريقية للدفاع عن المهاجرين تدرس إمكان مقاضاة فرونتيكس والدول الأعضاء فيها».