أطلقت روسيا الأحد الماضي شعلة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي تستضيفها مدينة سوتشي السنة 2014. وستشكل مسيرة الشعلة سابقة في تاريخ الأولمبياد لجهة طول المسافة التي ستجتازها في 123 يوماً، لكنها لم تعد السابقة الوحيدة في هذه الألعاب التي أثارت انتقادات داخلية كثيرة، خصوصاً بعدما تحولت إلى أغلى الفعاليات ثمناً في تاريخ الرياضة الروسية، إذ تقدّر كلفتها ب7 بلايين دولار. ويبلغ طول المسار الذي ستجتازه الشعلة 65 ألف كيلومتر، أي أكبر بمرة ونصف المرة من محيط الكرة الأرضية. وينتظر أن تجول في أقاليم البلاد ال83 وتزور نحو 2900 مدينة من إقليم كاليننغراد غرباً إلى كامتشاتكا في أقصى الشرق. وبررت الحكومة الروسية تخصيصها موازنة ضخمة للألعاب بضرورة إعادة تأهيل البنى التحتية كاملة ليس في سوتشي وحدها بل في المدن والمناطق المحيطة بها في شمال القوقاز. وكان اختيار سوتشي للاستضافة أثار مخاوف كثيرة في الداخل الروسي، باعتبار أن المنطقة التي تضم منتجعات سياحية فاخرة تعاني من مشكلات مستعصية منذ أعوام طويلة. لكن مسؤولين روساً أكدوا أن النجاح الذي تحقق خلال العامين الماضيين في إنجاز نحو 60 في المئة من مجموع المنشآت الرياضية بالتزامن مع إنجاز تطوير البنى التحتية كاملة خفف من هذه المخاوف. كما أكدت اللجنة المنظمة للألعاب أن عمليات البناء تجري وفقاً للجدول الزمني المحدد. وستقام مسابقات البياتلون والتزلج الألبي وتزلج العمق وغيرها في منطقة كراسنايا بوليانا. وعلى خطٍ موازٍ، تستعد روسيا لضرب رقم قياسي آخر يتعلق بالتحضيرات لإستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2018. وأكد وزير الرياضة فيتالي موتكو أن موسكو تتوقع أن تصل تكاليف التنظيم إلى 15 بليون يورو (نحو 19.2 بليون دولار)، وهي تشمل أعمال ترميم للملاعب وإستثمارات ضخمة في البنية التحتية ل11 مدينة. وكان الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) إختار 11 مدينة و12 ملعباً ل64 مباراة. والمدن هي: العاصمة موسكو الوحيدة التي تشارك بملعبين هما لوزنيكي وسبارتاك، سان بطرسبرغ، كالينينغراد، نيجني، نوفغورود، كازان، سامارا، سارانسك، فولغوغراد، روستوف، أون دون، سوتشي وييكاتيرينبرغ. ولا يخفي مسؤولون أن حجم الانفاق الزائد سيُعوّض خصوصاً أن جزءاً كبيراً من الموازنات المقررة ستصرف على تحسين البنى التحتية وإنشاء مطارات ومنشآت خدمية حديثة تحتاجها المدن الروسية بقوة. لكن المشكلة الأبرز التي تواجه الاستحقاقين الرياضيين الكبيرين، تكمن في الفساد الذي يعد الغول الأقوى المستشري في مناحي الحياة في روسيا. وبحسب ديمتري كوزاك مساعد الرئيس فلاديمير بوتين، ينظر القضاء في قضايا فساد تتعلق باختلاس بلايين الروبلات في مشاريع البناء في سوتشي وضواحيها. ويضاف إلى مشكلة الفساد تحدٍ آخر يواجه السلطات هو تنامي درجة الاستياء عند سكان سوتشي والمناطق القريبة منها الذين باتوا «يتمنون أن ينتهي هذا الاستحقاق كي يتمكنوا من العودة إلى حياتهم الطبيعية التي حرموا منها»، كما صرّح أحدهم لشبكة تلفزيونية أخيراً. وبدأت مشاكل السكان عندما أجبر كثيرون على الرحيل عن مناطقهم، التي تحولت إلى منشآت رياضية وشيّدت فوقها مجمعات ومن دون أن يحصلوا على تعويضات كافية، فيما حرم آخرون من الحياة الطبيعية. وكأن المشكلات التي ترافق تحضيرات الأولمبياد لم تكف سوتشي، إذ أطلقت أخيراً جاليات شركسية من سكان المنطقة والمناطق القوقازية المجاورة حملة ضد الأولمبياد، الذي يصادف توقيته مع مرور 100 عام على أوسع عمليات تنكيل وملاحقات تعرضوا لها على يد الدولة الروسية. وسعى الشركس وهم السكان الأصليون لسوتشي منذ عامين إلى حشد تأييد دولي لإلغاء الأولمبياد لكن جهودهم باءت بالفشل. وأكد ناشطون مواصلتهم حملات الاحتجاج التي أضافت إلى هموم سوتشي وتحضيرات الأولمبياد المتسارعة مشكلة جديدة.