المخاوف والقلق من أن يؤول الربيع العربي إلى الفشل أو العجز حقيقية وملموسة، والكثافة الكبيرة للمقالات والتعليقات في الصحافة العربية والعالمية في هذا السياق تتضمن قدراً كبيراً من البصيرة والصدق، ولا يجوز أن يخلط بينها وبين معارضة الإصلاح، فإذا كنا متفقين على أن رواية الإصلاح والربيع العربي قامت على الحريات والكرامة ومعالجة الفشل الاقتصادي والتنموي وبناء إجماع وطني جديد قائم على الهدفين السابقين فإننا في حاجة إلى التساؤل والقلق الدائم على هذه الأهداف والمبررات التي أنشأت الربيع. وفي هذا السياق أشير إلى مثالين أردنيين ليسا نادرين ويمكن أن تسجل العشرات من الحالات المماثلة والتي تؤكد أن الحراك السياسي (الإصلاحي أو المعارض) مهدد بالاستدراج والمتاهة. فقد أعلن الإخوان المسلمون مقاطعتهم للانتخابات النيابية القادمة، وجرت حملة مضادة لتسمية سفير أردني في إسرائيل، وبالطبع فإن معارضة قانون الانتخاب وطريقة إدارتها ومعارضة معاهدة السلام مع إسرائيل هما موقفان ثابتان لدى المعارضة السياسية منذ عشرين عاماً، ولكن التطور في المعارضة في المرحلة الأخيرة يظهر بوضوح حالة من الانفصال الشعوري واللاشعوري عن القواعد العامة المنظمة للعلاقة بين الدولة والمجتمع، ويمس بالضرر والرغبة في التغيير الفوضوي للسياسة العامة الأساسية التي تتشكل حولها القوانين والتشريعات والحياة السياسية واليومية أيضاً، ويعيد من جديد التساؤل المخيف عن انتمائنا للعقد الاجتماعي المنظم للعلاقة بين المواطنين والدولة ومدى قدرتنا على الالتزام به واحترامه في جميع الظروف، والقلق المخيف على مصير العلاقة والتعايش والسلم الداخلي والاجتماعي، وإن كانت الديموقراطية والحريات الحقيقية والكاملة قادرة على حمايته وتنظيمه إيجابياً... والخوف من أنه لا حماية لهذا التعايش والسلم إلا في ظل الاستبداد ووصاية النخب المهيمنة على المجتمعات والموارد، ويضعنا في حالة اختيار بين سلم اجتماعي ومؤسسي محمي بالفساد والاستبداد أو حرية تعصف بكل المنجزات والقواعد العامة للدولة والمجتمعات. لم توظف المعارضة والحكومة والمجتمعات مقاطعة الانتخابات في تشكيل فرص وتحديات ترقى بالانتخابات ونزاهتها، ولكنها امتدت إلى رغبة في الفشل والإفشال، فقد مضت الحركة الإسلامية في مقاطعة التسجيل للانتخابات، وهي عملية إجرائية أساسية لأي انتخابات نزيهة وصحيحة، يفترض أنه لا علاقة لها بالمقاطعة أو المشاركة، ولم تحاول المعارضة أن تحول المقاطعة إلى عمليات رقابة على الانتخابات وتشجيع للإصلاحيين المؤيدين للمشاركة ومحاولة الوصول إلى أفكار وإنجازات إصلاحية محددة أو واضحة ولكنها تحولت إلى رغبة ومحاولات لإفشال الانتخابات، وجعلت العمل السياسي مختزلاً في انتخابات فاشلة من دون الإخوان المسلمين، على رغم أن للجماعة مصلحة كبرى في نجاح هذه الانتخابات حتى مع مقاطعتهم لها، فهي يمكن أن تؤسس لتطوير الحياة السياسية والتداول السلمي للسلطة، ولكن لسال حال الإخوان لتذهب الديموقراطية والانتخابات من دوننا إلى الجحيم، وحشد الإخوان في مشرعهم هذا كل الساخطين والمحتجين لأسباب معيشية واقتصادية أو ضد الفساد والفشل، وفي المقابل قامت الحكومة بعمليات حشد وتعبئة بدائية تعود إلى مرحلة ما قبل الدولة الحديثة. وكان الخاسر الأكبر هو المجتمعات والإصلاحات الحقيقية. وفي معارضة تسمية سفير في إسرائيل استخدمت كل وسائل الحشد العشائري والإعلامي ولم يفطن معارضو المعاهدة والعلاقات مع إسرائيل أنها جرت وتجري ضمن قواعد العمل السياسي والديموقراطية المفترض أنهم يتظاهرون لأجلها، وبسبب يقيننا ومعاينتنا الفعلية بأن الحركة الإسلامية لن تغير شيئاً في المعاهدة والعلاقة مع إسرائيل إذا استلمت السلطة يزيد قلقنا وخوفنا من براغماتيتها المفرطة الغامضة أكثر من تشددها الواضح، فهي في سلوكها الديني والسياسي لا تحل حلالاً ولا تحرم حراماً، أو أن الحلال هو ما تستطيع فعله والحرام ما تعجز عنه، فيداهمنا خوف مديد أنها عاجزة عن فعل شيء لأجل الأهداف الحقيقية للربيع (الحريات والتنمية العادلة) وأنها تستطيع أن تضيق على الحريات الشخصية والاجتماعية، وأن التغيير لن يأتي إلا بمزيد من الاستبداد والفساد! * كاتب أردني