أحبك يا بلادي كثيراً، أحبك لدرجة العشق، أحبك يا بلادي لدرجة الوله... ولكني أتساءل دائماً: لماذا لا يكون لكِ يا بلادي مثل مطاراتهم؟ لماذا لا يكون لك مثل قطاراتهم؟ كثيرة هي قطاراتهم، وفارهة وكبيرة مطاراتهم، وخدماتها مغرية للعبور من خلالها. أحبك يا بلادي، وكل بلد أكون فيه أستحضرك معي، على رغم بُعد المسافات لابد أن تكوني هناك في المكان نفسه الذي أكون فيه. أكتب لكم أعزائي القراء وأنا في إيطاليا، وتحديداً في فينيسيا، التي نظمت طرقاتها على رغم أنها في الماء... «فينيسيا» لم تغرقها التحويلات، ولم تربك وضعها المسافات التي لم تمنحها لها الصحراء! لقد كان الجندول يمر منساباً عبر إشارات المرور، تحسده على ذلك سياراتنا التي تظل تئن أمام الإشارات التي تغير ألوانها مرات عدة قبل أن تسمح بالعبور! هل نحسدهم على ذلك الوضع، على رغم صغر المسافة؟ في الحقيقة نعم، والغريب انهم هم أيضاً يحسدوننا! إنهم يواجهوننا دائماً عندما يعلمون أننا من المملكة العربية السعودية، بواو إنكم من بلاد الثراء! الساعة الآن هي الثانية عشرة ليلاً في فينيسيا، وأرى السفن تحت النافذة التي أجلس خلفها مسقطة أضواءها على أمواج البحر، وهنا يخطر ببالي أنني أسمع بحر الدمام يتساءل أين سفني أنا؟ كأني أسمعه وكأنه يقول: لماذا لا يكون لي سفن تُسقط أضواءها على أمواجي؟ يا أمواج الحب حركي أمواج بحر الدماموجدة وجيزان وفرسان، إنها بحار جميلة مثل كل البحار الجميلة ... قليلاً من الحب ثم تزهو بلادي، بلاد الثرى... قليلاً من الحب من قلوب تؤثر على نفسها ولو بها خصاصة. ليس في «فينيسيا» وحدها يزهو عقل الإنسان وتنشط يده وقلبه المحب، بل نرى ذلك كثيراً من المدن الغريبة التي يمر بها الإنسان في ترحاله. أعلم أن بالدمام وفي جدة والرياض وكل شبر في بلادي أيدي تشتاق إلى العطاء والنشاط، وأعلم أن العطاء سوف يزهر إذا امتلأت تلك القلوب التي أنجبها الوطن بالوفاء، وهنا سنرى ذات ليلة أن الأمواج تراقص الأضواء تحت النوافذ.