«لعبة الحظ»، «طريق بلا نهاية» و «فرسان الغرام»، يحتفلون ب «أفراح الشباب» مع «أبو سليم في المدينة»، بعدما حرّروا «الرهينة» من «سارق الملايين» و«عصابة النساء» و «الجبابرة»، ورقصوا في «وادي الموت»، وتناولوا «العسل المر» و«السم الأبيض». عناوين لأفلام أنتجت في ستينات القرن الماضي وسبعيناته، وعرضت جمعية متروبوليس ملصقاتها الإعلانية الى جانب الأفلام، ضمن الدورة الأولى من «أجمل أيام حياتي» والتي تهدف الى أن تمتد الى ثلاث دورات لاستعادة الزمن الجميل من السينما اللبنانية وتعريف الجمهور إليها. ولمن لا يعرف شيئاً عن تلك الحقبة التي تميزت بإنتاج لبناني - مصري مشترك، وبأفلام الحركة والتشويق والحب والغرام، تشكل التظاهرة الفنية التي تختتم مساء اليوم بفيلم «أجمل أيام حياتي» (1974) لهنري بركات، موعداً مع الماضي للتعرّف إلى بيروت ما قبل الحرب، وفترة الازدهار الاقتصادي والفني والشعري، قبل اندلاع الحرب الأهلية. اختار فريق عمل «ميتروبوليس» (هانيا مروّة، أنطوان خليفة وجوانا حاجي- توما) 11 فيلماً في الاستعادة الأولى، هي: «بيروت صفر 11» (1966) لأنطوان ريمي، «أنتروبول في بيروت» (1966) لكوستانوف، «الجبابرة» (1963) لحسيب شمس، «عصابة النساء» (1970) لفاروق عجرمة، «العسل المرّ» (1964) لرضا ميسر، «بدوية في باريس» (1966) و «الجاكوار السوداء» (1965) لمحمد سلمان، «نغم في حياتي» (1975) و «أجمل أيام حياتي» (1974) لهنري بركات، «لبنان من خلال السينما» (2003) لهادي زكّاك، «هاوي السينما» (2011) لحبيب شمس. وكرّمت الجمعية صباح وإحسان صادق اللذين شاركا في الكثير من أفلام تلك الحقبة. انقراض فن ما على هامش التظاهرة إذاً، 13 ملصقاً اعلانياً من مجموعة عبودي أبو جودة، تكشف الكثير من الفروق ما بين الماضي والحاضر، وفي نظرة سريعة عليها، نلاحظ «انقراض» فن الرسم الاعلاني، بعدما سيطرت برامج الكومبيوتر والفوتوشوب، وباتت التكنولوجيا ركناً أساسياً من أركان العمل. وبعدما كان الملصق يحتاج إلى خطاط ورسام وأيام عدة لإنجازة، بات اليوم برنامج الكتروني قادراً على الرسم والتخطيط واقتراح الأفكار والألوان وطريقة التصميم. ويظهر من خلال الملصقات المعروضة، مدى «شعبية» السينما في تلك الفترة، وتوجهها صوب الترفيه والربح المادي، خصوصاً أن غالبية الأفلام تلك الفترة، لم تُحاك مراحل مهمة من تاريخ لبنان كفترة الاستقلال مثلاً وما تخللها من تحركات وشبه انتفاضات، بل عكست فترة الانفتاح التي عاشتها بيروت، وتأثرها بمدن أوروبية. واللافت أن تلك الحقبة، تميّزت بأفلام التشويق والاثارة، فتظهر صباح في ملصق «وادي الموت» (إخراج فاروق عجرمة) وهي توجه مسدساً صوب الجماهير، فيما يقفز بطل من مروحية مع خلفية نيران مشتعلة ودخان أسود. ويغلب الطابع البوليسي على بعض الملصقات، كما في «الجاكوار السوداء» و «بيروت صفر 11» و «انتربول في بيروت». ويغلب طابع الفتنة والإثارة الأنثوية على البعض الآخر، كما في «فاتنة الجماهير» (1964) و «غيتار الحب» (1973). وتميزت تلك الحقبة بانفتاحها وجرأتها في التعاطي مع مواضيع الحب والجنس، وصوّرت الكثير من المشاهد التي تظهر أكبر نسبة من جسد المرأة بطريقة مبتذلة، ومن دون أن يخدم ذلك العمل، بل لجذب جمهور أكبر. وقد لا تتكرر مرحلة الانفتاح هذه في لبنان إلا في بعض الأعمال الممنوع عرضها في الصالات المحلية، ومن المستحيل أن تتكرر في مصر، خصوصاً بعد التشدد الاسلامي في التعاطي مع الأمور الفنية بعد ثورة 25 يناير. ولم تقتصر الجرأة على المشاهِد، بل تخطتها إلى الملصق الاعلاني، كأن تظهر مريم فخرالدين مثلاً وهي تُقبّل بنهم صلاح ذو الفقار في «فرسان الغرام»، وهي أيضاً حالة تقدمية اعلانية لم نعد نشهدها. وجوه مكبّرة ومن الأمور اللافتة أيضاً، المساحة الكبيرة التي يحتلها بطل الفيلم أو بطلته على الملصق. فيبدو وجه سميرة توفيق أكبر من وجه رشدي أباظة في «بدوية في باريس»، ويبرز وجه صباح المكبّر بين وجوه أنثوية أخرى في «عصابة النساء». وبعدما عملت «ميتروبوليس» طوال سنوات على تعريف الجمهور على أبرز المخرجين الملتزمين، ونظمت احتفالات للسينما من أوروبا الشرقية وإيطاليا وتركيا، ها هي تحاول اليوم إنعاش الذاكرة اللبنانية، وتجميع إرثها وتقديمه للجمهور من خلال دورات مستقبلية، ستكون نافذة الجيل الجديد على الماضي.