فضائيات منفتلة ولا مبدأ لها. حقيقة لا مجال لنفيها أو الهروب منها. صحيح أن الثورة المصرية تمر بكل إمارات الإجهاض المنذر بفقدان جنينها الثوري وما كان يحمله من حلم بالتغيير، إلا أن الأعراض الجانبية التي أفرزتها الثورة في مجال التلفزيون تعكس حاجة ماسة إلى إعادة بناء لمنظومة الإعلام التلفزيوني، وليس مجرد تطهير. وبلغ التمادي أقصاه في الأيام القليلة التي سبقت انطلاق جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية المصرية، فسمحت القنوات لنفسها بتشويه صورة مرشح لحساب آخر. وبلغت الوسائل حداً سمح لها بعرض تقارير طبية وأسماء عقاقير يفترض في الأحوال العادية أنها إعلانات صريحة مع التوغل في استعراض الأعراض الجانبية لهذا المرض أو ذاك. وهنا استفاض أحد برامج ال «توك شو» الشهيرة في سرد التفاصيل الدقيقة لعمليتين جراحيتين خضع لهما أحد المرشحين، مع استعراض الشهادة الطبية امام الكاميرا. ليس هذا فقط، بل ذهبت مقدمة البرنامج المنحازة ضد هذا المرشح إلى حد استضافة طبيب اختصاصي لتأكيد احتمالات إصابة المرشح بنوبات صرع وتشنجات أثناء اجتماعه مع كبار الساسة ورجال الدول الأخرى! وعلى رغم الإشارة إلى ضرورة تعميم مبدأ الكشف الطبي على جميع مرشحي الرئاسة، إلا أن فقرة التشهير تأججت في شكل ضرب عرض الحائط بأخلاقيات مهنتي الإعلام والطب. أما ضرب عرض الحائط بأخلاقيات الحوار، فحققت فيه قناة اخرى مكان الصدارة من دون منافسة. صاحب القناة، ومقدم ال «توك شو» الرئيسي فيها ظل يوجه ضربات لأحد المرشحين ولجماعته ل «مسؤوليتها عن أعمال قتل وترهيب وحرق إبان الثورة»، مؤكداً حيازته مستندات تدعم اتهاماته. وحين استُدعي للإدلاء بشهادته أمام المحكمة، أكد أنه لا يمتلك دليلاً واحداً! وإذا كانت مثل هذه الخروق بلغت حداً من الفجاجة جعلتها واضحة، فإن قنوات أخرى طرقت الباب ذاته، ولكن بطريق أكثر أناقة. انتقاء الضيوف، والاستعانة بمصادر تؤكد وجهات نظرهم، والسخرية من المتحدثين من أنصار المرشح الآخر أو مؤيديه، وبث تقارير تعكس وجهة نظر واحدة، كلها أدوات لجأت إليها الفضائيات طيلة أيام المعركة الدعائية الانتخابية. بل وصل الأمر الى درجة التلاعب بنتائج الجولة الثانية. فهذه قناة تؤكد أن الدكتور محمد مرسي فاز بمنصب الرئاسة، وتلك قناة تجزم بأن الفائز هو الفريق أحمد شفيق، والعجيب أن كليهما يستند إلى إحصاءات وأرقام. وعلى رغم أن التحكم بالمشاعر أمر صعب، والسيطرة على الحزن وتمويه أمارات الفرحة عملية تحتاج إلى تدريب وحنكة، إلا أن نتائج الفرز التي كانت تجرى على الهواء ليل أول من أمس انعكست على وجوه المذيعين في شكل لم يدع مجالاً للتجمل أو التزييف. من هاجموا المرشح الفائز وجموا وابتأسوا، ومن ناصروه وأيدوه فرحوا وسعدوا.