أن تدخل برامج ال «توك شو» عش الدبابير، وتكون ضمن أوائل من جازفوا بكشف الفساد والمظالم، فهذا يحسب للقائمين عليها! وأن نرى بأن لتلك البرامج فضلاً في تفجير ثورة يناير، فهذا حق يجب الاعتراف به! وأن تستمر هذه البرامج في أداء دور توعوي تنويري بعد الثورة لتكون لاعباً رئيساً في عملية إعداد الرأي العام لديموقراطية مقبلة طال انتظارها، فهذا دور محمود تجب الإشادة به. لكن أن يتحول بعض هذه البرامج إلى اختصاصي في دس السم في العسل، فهذا ما لا يمكن فهمه أو تبرئته أو قبوله. فمع سقوط النظام السابق في مصر، وبدء الاستعدادات لمرحلة جديدة يتوقع – أو يتمنى – أن تكون أكثر ديموقراطية، وأعمق حرية، وأكثر مسؤولية، نشطت الساحة الإعلامية، لا سيما التلفزيونية في مصر. فإضافة إلى العدد الكبير من الفضائيات الخاصة التي انضمت إلى الساحة المتخمة أصلاً، سارعت القنوات الموجودة على الساحة إلى مضاعفة أعداد برامج الحوار، وهو ربما ما أدى إلى التداخل والتضارب والتنافس على متن القناة الواحدة أحياناً. حتى البرامج التي كانت أسبوعية، تحول كثير منها إلى يومية إلى درجة أن القناة الواحدة قد يكون لديها برنامجان «توك شو» صباحاً وثلاثة برامج مسائية الواحد تلو الآخر. وفوجئ الجميع بمذيعات دأبن على تقديم البرامج الفنية والنشرات الخفيفة يتحولن إلى تقديم البرامج السياسية في شكل أدى إلى تخمة القنوات الخاصة بكم مذهل من الآراء والتنظيرات والتحليلات السياسية. وكان من الممكن تفهم كل ذلك، لولا أن حمية المنافسة والرغبة في الاستحواذ على أكبر قضمة ممكنة من كعكة المشاهدة، إضافة بالطبع إلى أدرينالين الظهور الإعلامي دفع بعض تلك البرامج إلى الخروج على قواعد المهنية الإعلامية وضرب عرض الحائط بمبادئ الموضوعية المعلوماتية في شكل بات يضر بالمصلحة العامة. فمنها ما بات مختصاً في الإطاحة بالوزراء – وأحياناً برئيس الوزراء نفسه - من خلال حلقة يتم فيها الإعداد المحكم للإجهاز على الضحية والفتك بها على الهواء مباشرة. ومنها ما اعتبر نفسه بديلاً شرعياً لساحات المحاكم، فراح يصدر الأحكام على رموز النظام السابق، ويصل الأمر أحياناً إلى المطالبة بإعدام هذا، أو نطق حكم المؤبد لذاك، من دون تكبد عناء استضافة «كومبارس» يلعب دور الدفاع. ومنها ما أجاز لنفسه أن يخصص برنامجه ليكون ساحة للقصاص الشخصي من أشخاص منعوهم من الظهور أو العمل في ظل النظام السابق. وهناك بالطبع نوعية أخرى يمكن اعتبارها لسان الحال السياسي لصاحب القناة أو حلفائه السياسيين في هذه المرحلة. هنا يجد المشاهد أن محتوى البرنامج، لا يدور إلا في فلك الحزب السياسي الذي أسّسه صاحب القناة، أو ذاك الذي ينتمي إليه، أو على الأقل الذي يتعاطف معه. ولأن المشاهد، وإن اضطر للانغماس في السفسطة السياسية، على مقدار كبير من الذكاء، علت أصوات كثيرين، يصفون الساحة التلفزيونية بأوصاف تحمل الكثير من المعاني، ومنها مثلاً «الكشري» في إشارة إلى اختلاط الرأي بالمعلومة بالخبر تماماً كما يختلط الرز بالعدس بالمعكرونة. وعلى عكس الكشري المحبب إلى جموع المصريين، فإن «كشري» ال «توك شو» بات يصيبهم بالانتفاخ والغثيان.