«قرب قرب قرب. قرب وصوّت. يالله يابيه، يالله ياهانم. عندنا الرؤساء الجدد. قرررب». تغريدة عنكبوتية انتشرت أمس في ظل الطقس السيء الذي أطل على مصر في يومي جولة الإعادة لدرجة جعلت بعض لجان الانتخابات يبدو وكأنه يجذب الناخبين لسلعة ركدت بفعل رطوبة قاتلة وحر قائظ. قيظ الحرارة في الأحوال العادية كان يعني أن تكتظ اللجان بالشباب وتخلو من كبار السن، لكن لأن أحوال مصر ليست عادية وكذلك انتخاباتها وإرهاصات ثورتها التي تعاني أعراض الإجهاض. تصدر المشهد في اليوم الثاني الرجال ممن تعدوا سن ال70 وجاؤوا متكئين على أذرع الأحفاد والنساء ممن بلغن من العمر أرذله وبعضهن قلما يبرحن بيوتهن، تحت شعار «مللنا وحان وقت الاستقرار». وإذا كان طول وسوء إدارة الفترة الانتقالية أصاب الكبار بالملل، فقد أصاب الصغار بالإحباط، لكنه الإحباط الذي يؤجج الغضب. غضب الشباب الثوري والحالم بمصر جديدة شكلاً وموضوعاً والذي تمت ترجمته في جولة الإعادة بتأجج حملات مثل «مبطلون» للأصوات أو «مقاطعون» للانتخابات أثار بدوره غضب أنصار فريق «مللنا». هذا الغضب ظهر يوم أمس من خلال مناقشات ومناوشات الناخبين. فمن أعلن نيته «الإبطالية» وجد ردود فعل قاسية تتهمه بالسلبية حيناً وغياب الرؤية أحياناً وإدمان الثورة دائماً. وعلى الصعيد العنكبوتي، شهد أثير «فايسبوك» محاولات عاتية من قبل المؤيدين للمرشح المحسوب على المجلس العسكري أحمد شفيق، سواء عن طيب خاطر أو رغماً عنهم درءاً لمنافسه «الإخواني» محمد مرسي، لإقناع الأصدقاء والمعارف والمبطلين أو المقاطعين من ال «فايسبوكيين» بالعدول عن موقفهم «إنقاذاً لمدنية الدولة»، فيما تحرك مؤيدو مرسي لإقناع الناس ب «إنقاذ الثورة». غير أن «مدنية الدولة» والثورة في خطر في كلتا الحالتين، وهو ما تسلم به الفئات العمرية الشابة المقاطعة والمبطلة والمقتنعة باستمرارية الثورة بغض النظر عن الفائز. وعلى رغم احتدام الخلاف في شأن الموقف من الامتناع عن التصويت، فإن الأمر كالعادة لم يخل من الدعابة. ودعت إحدى المبطلات على حسابها على «تويتر»: «اللهم اجعل اللجان خاوية على عروشها، اللهم احرق الصناديق، اللهم اهزم شفيق والإخوان في غزوة الصناديق». ونصح شاب الناخبين الذين يحبون كلا المرشحين بوضع علامة «صح» أمام كليهما، بينما تبرعت شابة أخرى بتقديم يد العون والنصح للمصوتين الحائرين بين الاثنين في الساعات الأخيرة بتفنيدهما: «عرفي أم متعة؟ ميني أم ماكسي؟ مجهري أم أنابيب؟ إكسلانس أم بروفيسور؟ غرقان أم محروق؟ رجم أم نفخ؟». نفخ من نوع آخر جرت رحاه طوال يوم أمس بين مؤيدي الفريقين من غير الممتنعين، فقد تأججت حدة الرسائل النصية القصيرة المرسلة للآلاف من الهواتف المحمولة بهدف التشكيك في صدقية مرشح على حساب آخر: «تاجر مخدرات يوزع لفافة بانغو و50 جنيهاً دعاية لشفيق في الشرقية»، «أنصار مرسي يعتدون على حملة شفيق بالضرب في الغربية»، «دفاتر مسودة لصالح شفيق في المنوفية»، «بطاقة دوارة لصالح مرسي في الدقهلية». رسائل أخرى اتبعت مبدأ المساواة، وجعلت من التشكيك في العملية الانتخابية برمتها هدفاً لها «اشتباكات بين أنصار المرشحين في الغربية والفيوم»، و «أنصار كلا المرشحين يكثفون الدعاية وإصرار على خرق الصمت الانتخابي». ولم يسلم الأمر بالطبع من النبرة الطائفية التي يعشقها البعض وينتهجها، فهذه رسالة تؤكد أن «المصوت لشفيق كافر» وأخرى تجزم بأن «من يعطي صوته لمرسي يؤيد الفاشية الدينية». ولأن لفظ «الفاشية» أصلاً غير واضح المعالم أو محدد المعنى بالنسبة إلى كثيرين ممن سلموا آذانهم وعيونهم ومن بعدها قلوبهم وعقولهم لنخبة فضائية انتهجت نهجاً شعبياً أصيلاً اسمه «اللت والعجن»، فقد اكتفى أنصار عقيدة «فوروورد» (إعادة الإرسال) بالتحذير من «الكفر» بانتخاب شفيق. ولم يفت أولئك صب قدر من لعناتهم على «النخبة» التي صدعت رؤوسهم وأنهكت قلوبهم وضخمت فواتير كهربائهم بالصولان والجولان في بحور ال «توك شو» على مدى 16 شهراً. رجل تعدى العقد السابع من العمر صاح في «شلة» مقاطعة على باب لجنة انتخابية في القاهرة: «النخبة أقنعتكم بالمقاطعة، وجميعهم صوتوا». ويبدو أنه كان يشير إلى شخصيات عامة تألقت فضائياً وملأت الفضاء صياحاً بالمقاطعة، ثم صوتت لشفيق «حماية لمدنية مصر»، أو لمرسي «دعماً لثورتها». النكتتان المتداولتان قبل ساعات من إعلان اسم رئيس مصر المقبل توزعتا بالتساوي بين «البروفيسور» و»الإكسلانس». فيقال إن «البروفيسور خبأ هاتفه المحمول في اللجنة، وحين وقف خلف الساتر، اتصل بالمرشد وسأله: لمن أصوت؟» أما «الإكسلانس» فنسي سبب توجهه إلى اللجنة وقال: «ايه؟».