سيظل السؤال عن وجهة ثورة 25 يناير يطارد المحللين ربما لأعوام مقبلة لأنها كانت سلمية وبلا قيادة، فتولى المجلس العسكري قيادتها إلى مصير يوشك أن يجهز عليها. وكانت سياسة المجلس العسكري هي الإيهام، ببعض الإجراءات، بأنه مع الثورة، بينما فتح الباب واسعاً أمام نظام مبارك الذي أصيب بصدمة عصبية، فأفاق ليبحث عن أطر قانونية جديدة له. وبلغت جرأة النظام حداً مذهلاً ضد منطق الثورة والشعب إلى درجة أن رموزه يترشحون للرئاسة ويعدون بأنهم سيقضون على الفساد، متجاهلين أنهم أصلاً أجزاء أسياسية من نظام فاسد سقط بمجرد احتجاج الشعب سلمياً عليه، على رغم كل صور القسوة التي حاول بها إخماد الثورة. أما الأكاذيب التي يسوقها هؤلاء المرشحون وكأنهم يتحدثون إلى شعب آخر، أو إلى شعب فقد ذاكرته، فإن جرأتهم في إطلاقها هي المكافأة التي حصلوا عليها لعدم حسم الثورة مصيرهم منذ اليوم الأول، وما زلت أرى بعض الناس وكأنه نسي تماماً علاقة هؤلاء بالنظام الذي قامت الثورة ضده. من الفجور السياسي الذي بلغه هذا الفريق وكل رموز نظام مبارك أمثلة لا تحصى، لكن تسجيل بعضها واجب، لأن هذا الفجور يذكرني بما كان يردده أركان النظام خلال تسلطه من أن الشعب غائب بالذل والقهر والفقر والجهل وتغييب الوعي، ولا عبرة لما نكتب أو نقول أملاً في إيقاظه، حتى كدنا نمل الكتابة والكلام لأننا شعرنا بأننا نؤذن في مالطا عندما كان لهذا المثل معنى قبل عقود. من الواضح أن رموز مبارك مصرون على خداع الشعب واستخدام صناديق الانتخاب وبذل المال السياسي المتدفق عليهم من كل صوب كي يستولوا على السلطة من جديد ويقضوا على الثورة وآثارها ورموزها. هم كذلك يصرون على أن الشعب تغير نحو الكفر بالثورة، لكنه هو نفسه الوفي لجلاديه وأن الشكاية في الماضي كانت من التجاوزات الصارخة، فهل يُقبل الناخب على اختيار الجلاد الذي دمر مع نظامه مصر وتسبب في بطالتها وفسادها وإفقارها، وسلط إسرائيل وواشنطن على مقدراتها وقراراتها؟ الرهان الآن على الشعب، إما أن يثور لكرامته وكرامة وطنه واستخفاف النظام به والزعم أن الشعب غير مؤهل للمعامله الإنسانية وأنه في مرتبة أدنى من الاستعداد لحمل عبء الديموقراطية وأنه من الناحية الخلقية لا يصلح لها، أو أن هذا الشعب لا يزال كما تصوره النظام وتعامل معه أربعين عاماً: شعب صابر لا يثور أبداً؟ في يد الناخب الإجابة على السؤال، فإن انتخب فلول النظام فإنه في حاجة إلى سنوات أخرى ليصل إلى القرار الصائب، أما إذا لفظهم فهو أحق بثورته التي لفظت النظام وفلوله. * كاتب مصري في «ميدان التحرير» (أ ف ب)