طلب رئيس الحكومة المصرية الدكتور عصام شرف من المصريين تفهم الأسباب التي دعت إلى سن قانون يجرم التظاهرات والاعتصامات، إذا ما عطلت المرور أو أثرت على العمل. وبرر الخطوة بأن هدفها مواجهة الثورة المضادة وحماية ثورة «25 يناير» من الذين يحاولون الانقضاض عليها ونشر الفوضى والحؤول دون استقرار البلاد. الكلام جميل من رئيس حكومة أتى إلى موقعه عبر سلسلة من التظاهرات والاعتصامات التي وصلت إلى حد المواجهة مع قوات الأمن ووقوع الشهداء، وهو نفسه، أي شرف، حين أراد أن ينال شرعية الحكم ذهب إلى ميدان التحرير وتحدث إلى الحشود هناك، وأكد أنه إذا أخفق في تحقيق أهداف الثورة سيعود إلى الميدان وسيترك مقعد رئيس الحكومة لينضم مجدداً إلى الجماهير ويواصل معهم الثورة. لكن الناس في مصر يرون أن القانون يمثل قيداً على حرية التعبير ويعد ضربة للثورة والثوار خصوصاً أن رموز النظام السابق وقادة الحزب الوطني الذي كان حاكماً ما زالوا إما في مواقعهم أو يتمتعون بحرية تمكنهم من التخطيط والتآمر وتوجيه الضربات للثورة ومكتسباتها على أصعدة عدة. كان من المفروض إذا أراد شرف أن يتقبل الناس القانون الجديد ويتفهموا أسبابه أن يعجل بإجراءات تصب في اتجاه «تنظيف» البلاد من بقايا النظام السابق، ليس على طريقة الثورة الفرنسية ووضع رقابهم تحت المقاصل، ولكن على الأقل بإبعادهم عن مواقعهم وهم يستطيعون من أماكنهم إما تخويف الناس من تداعيات الثورة أو دفع فئات من المواطنين إلى التظاهر أو الاحتجاج لأسباب فئوية، أو جلب البلطجية والخارجين عن القانون فينشروا الرعب بين الناس فتسود الفوضى حتى يظل المجتمع يدور حول نفسه من دون أن توضع مصر على مسارها الصحيح الذي سعت الثورة إليه. المثل في الإعلام المصري يبدو صارخاً فالأشخاص أنفسهم الذين روجوا للنظام السابق ورموزه وبرروا سياسات الفساد وقدموا الناس وأنفسهم لسنوات هم أنفسهم الذين يديرون الإعلام الرسمي بل يقاومون كل محاولات «خلعهم» من أماكنهم، والغريب أن الذين سعوا منهم إلى ركوب موجة الثورة لا يخجلون ولا يدرون أن الزمن تغير وأن التكنولوجيا تكشفهم خصوصاً في ظل هذا الجيل من الشباب المصري الذي أذهل العالم بثورته، وهم القادرون حتماً على تجهيز ونشر كل ما كانت أبواق النظام السابق تروّجه لتكون فضيحتهم مضاعفة. وسعى هؤلاء دائماً إلى تصوير أن الاعتراضات ضدهم هي لأسباب فئوية ليسيئوا إلى المحتجين عليهم من جانب، وكي يبرروا من جانب آخر أفعالهم قبل الثورة وطوال سنوات حكم الحزب الوطني. وفي كلمته إلى المصريين لتبرير قانون تجريم التظاهرات حرص شرف على التأكيد على أن كل من أساء إلى الثورة لن يبقى في مكانه، لكنه كان يتحدث عبر شاشة التلفزيون الحكومي الذي لا زال غالبية المسؤولين فيه في أمكانهم. وهم بدورهم لم يضعوا كلمته في صدر نشرات الأخبار، تماماً كما يفعلون بعدم ترويجهم للأحكام التي تصدرها المحاكم العسكرية كل يوم ضد البلطجية والخارجين عن القانون، وهم أنفسهم الذين ما أن تقع حادثة ولو بسيطة إلا نشروها وعلقوا عليها وروجوها ليزداد الناس خوفاً ويترحموا على أيام الاستقرار!. تبقى اللعبة واضحة والمصريون يدركونها جيداً فالذين حققوا مصالحهم مع الحزب الوطني وسنوات حكمه لا يقبلون بالتسليم بأن ثورة قد حدثت في البلاد. وفي المقابل، فإن الشعب المصري يبدو مُصِراً على إكمال ثورته حتى في ظل القانون الجديد، فما أكثر القوانين التي استخدمها نظام مبارك ضد كل اعتراض وفي مواجهة كل اعتصام، ومع ذلك ذهب مبارك ونظامه حين خرج الملايين يوم 25 يناير الماضي يهتفون «الشعب يريد إسقاط النظام». كان بعضهم يدرك أنه سيواجه الرصاص، والمؤكد أن آخرين من المصريين لا زالوا عند موقفهم، فالشعب لم يعد يرضى أبداً إلا بإسقاط بقايا النظام.