عاد التوتر إلى شمال لبنان أمس بعد مقتل الشيخ أحمد عبدالواحد ومرافقه الشيخ محمد حسين المرعب إثر إطلاق النار على سيارتهما على حاجز غير ثابت للجيش اللبناني في محلة الكويخات في عكار. وتسبب الأمر بموجة احتجاج شملت عدداً من مناطق الشمال، انسحب على اثرها الجيش من المناطق التي كان انتشر فيها بكثافة منذ ليل أول من أمس للفصل بين مهرجانين يقامان في حلبا، الأول ل «الحزب السوري القومي الاجتماعي» في ذكرى «مجزرة حلبا» والثاني على بعد أمتار منه لأنصار النائب خالد الضاهر في ذكرى «شهداء أحداث 7 أيار». وفور شيوع خبر مقتل الشيخ عبدالواحد قطع الأهالي الطرقَ بالإطارات المشتعلة والآليات في مناطق في عكار والضنية وطرابلس وغيرها، وأعلن شقيق الشيخ عبدالواحد أن العائلة لن تستلم جثمانه قبل كشف القتلة والاقتصاص منهم. كما توالت الاجتماعات والاتصالات بين المعنيين لتطويق تداعيات الحادث، في ظل مطالبة بمحاسبة المتورطين في قتل عبدالواحد الذي يحظى بشعبية في المنطقة خصوصاً أنه كان مرشحاً لرئاسة اتحاد بلديات الدريب الأوسط في عكار بعدما ترشح على رأس لائحة البلدية في البيرة وفاز، ويعرف عنه نشاطه على صعيد تقديم المساعدات الإنسانية للسوريين النازحين إلى شمال لبنان. وباشرت قيادة الجيش التحقيق مع عناصر الحاجز لإجراء المقتضى القانوني، وأعلنت في بيان صادر عن مديرية التوجيه أن مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر توجه إلى الشمال، حيث عاين مكان الحادث واطلع على الأدلة، كما باشر التحقيق مع عناصر حاجز الجيش للوقوف على ظروف الحادث وملابساته وإجراء المقتضى القانوني. وكانت قيادة الجيش أعلنت في بيان سابق أن حادثاً «مؤسفاً بالقرب من حاجز تابع للجيش في بلدة الكويخات - عكار، أدى إلى إصابة كل من الشيخ أحمد عبدالواحد ومرافقه بطلقات نارية، ثم ما لبثا أن فارقا الحياة متأثرين بجروحهما. إن قيادة الجيش، إذ تعبر عن أسفها الشديد لسقوط الضحيتين، وتتوجه بأحر مشاعر التضامن والتعازي إلى ذويهما، تشير إلى أنها بادرت على الفور إلى تشكيل لجنة تحقيق من كبار ضباط الشرطة العسكرية، وبإشراف القضاء المختص». وعلمت «الحياة» أن خبراء من الأدلة الجنائية وأربعة ضباط على رأسهم العميد لبيب العرم رافقوا صقر إلى الشمال. كما علمت أن قائد الجيش العماد جان قهوجي تلقى اتصالات من عدد من نواب عكار، وبدا خلالها واضحاً إصراره على التهدئة وامتصاص الاحتقان في الشارع، وأكد أنه لا يتبنى أي رواية عن الحادثة، والدليل على ذلك احتكامه إلى لجنة تحقيق للوصول إلى الرواية الصحيحة. التفاصيل روى صديق عبدالواحد خالد عبود المرعبي الذي كان يقله بالسيارة من نوع «رانج روفر» المستهدفة ما حصل، قائلاً: «كنا في طريقنا إلى حلبا للمشاركة في المهرجان عندما توقفنا أمام حاجز للجيش امتثالاً للأوامر. كان العناصر مهذبين في تعاطيهم معنا. اجتزنا الحاجز ووراءنا بقية الموكب المؤلف من ثماني سيارات. كنت في السيارة الأولى والشيخ عبدالواحد يجلس بجانبي. سمعنا الضابط يصرخ بطريقة غير مهذبة: «ولا قف»، فاعتقدت بداية أنه يقصد بقية الموكب، لكنه كان يقصدنا. اتجه مباشرة نحو السيارة وأشار إلى الشيخ وقال له: «انزل ولا». فقلت له: نحن فداء للبدلة (الجيش)، أنا سأنزل. فرد الضابط: فلينزل هو (الشيخ). حاولت أن أتفاهم معه وأخبرته بأن التعاطي بهذه الطريقة مع شيخ يلبس عمامة عيب ونزلت من السيارة، فرفض وأمر الشيخ بأن ينزل. عندها تدخل الشيخ وقال للضابط: هل تقصد أن تهينني؟ وطلب مني الشيخ أن أذهب إلى المهرجان، وجلس مكاني في السيارة معلناً أنه سيعود إلى بلدته البيرة. نزلت والتف الشيخ بالسيارة للعودة، عندما تساقطت عليه رشقات من أكثر من 50 بندقية. هنا انقسم العناصر على الحاجز. أحدهم من منطقة أكروم قام بتغطيتي وضرب ببندقيته بندقية عسكري آخر مانعاً إياه من إطلاق النار نحوي. ثم جاء النائب معين المرعبي، وتعرض بدوره إلى الإهانة من العسكريين الذين اعتدوا على مرافقيه». وفي هذا الإطار، علمت «الحياة» أن مرافق عبدالواحد اتصل بابن بلدته أمين عام المجلس الأعلى للدفاع اللواء الركن عدنان مرعب وأخبره أن تلاسناً يحصل بين الشيخ عبدالواحد وحاجز للجيش وأن العناصر يريدون تفتيش الشيخ، وأن «ركاب السيارة ترجلوا منها وامتثلوا لطلب العسكريين لهم برفع أيديهم لتفتيشهم». فاتصل مرعب من خط آخر بمسؤول مخابرات الجيش في الشمال العميد عامر الحسن الذي اتصل بدوره بقائد الفوج وطلب منه أن يطلب من العناصر تهدئة الأمور مع الشيخ ويفتشوا من معه. غير أن الضابط على الحاجز أصر على تفتيش الشيخ الذي رفض وحاول العودة إلى بلدته. وبعد مقتل الشيخ انسحب عناصر الحاجز لتفادي أي رد فعل من أبناء المنطقة، خصوصاً أن النائب الضاهر كان دعا في أول رد فعل له على الحادث إلى انسحاب الجيش من المنطقة منعاً لأي تصعيد، غير أن الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري شدد على الهدوء والتزام التهدئة، وأجرى اتصالات بنواب المنطقة مؤكداً أنه سيتابع القضية حتى النهاية. وتفيد إحدى الروايات نقلاً عن مصادر عسكرية غير رسمية بأنه عندما استدار الشيخ بسيارته محاولاً العودة، أطلق العناصر رصاصتين في الهواء، وأن مرافقي الشيخ في سيارة أخرى ردوا بإطلاق النار على العسكريين فأصيب عسكري بشظية كما أصيب جيب عسكري بأربع طلقات ما أدى إلى تطور الأمر وحصول ما حصل. غير أن هذه الرواية أثارت استياء أهالي المنطقة الذين سألوا عن السلاح المضبوط ولماذا لم يتم عرضه؟ وسأل المتابعون عن سبب عدم رد الجيش على مصدر إطلاق النار عليه من السيارة الأخرى كما قال، عوضاً عن الرد بإطلاق النار على الشيخ. اتصالات ومواقف وأبدى الرئيس ميشال سليمان أسفه للحادث، وإذ نوه بالدور الوطني للجيش، اعتبر أن «الخسارة تقع على الجيش كما على أهلنا في عكار الذين يشكلون الدعامة الأساسية والخزان الرئيسي للمؤسسة العسكرية». وأبدى ارتياحه لتأليف قيادة الجيش لجنة تحقيق لكشف ملابسات الحادث واتخاذ الإجراء المناسب. وتابع سليمان الأوضاع وأجرى اتصالات مع عدد من القيادات وتلقى اتصالات شددت على أهمية تهدئة الوضع وعدم الانزلاق إلى الفتنة أو التدهور الأمني. وتابع رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي مع وزيري الدفاع الوطني فايز غصن والداخلية والبلديات مروان شربل ومع القيادات الأمنية تفاصيل الحادث. وطلب تشكيل لجنة تحقيق في الحادث لكشف ملابساته. كما أجرى اتصالاً بالنائب ضاهر معزياً ومبدياً أسفه للحادث، متمنياً على الجميع المساهمة في تهدئة الأوضاع ومعالجة الأمور بحكمة وروية. وكان النائب الضاهر حمّل قيادة الجيش والحكومة ورئيسها مسؤولية مقتل الشيخ «لأنهم لا يقومون بدورهم بحماية لبنان بل يمارسون انتقائية ويعاملون اللبنانيين كأنهم مع فريق ضد فريق آخر». وقال في الاعتصام الذي كان مقرراً في حلبا والذي انفض إثر ورود خبر مقتل عبدالواحد ومرافقه: «كنا نتوقع النار من الحزب القومي وليس من الجيش اللبناني، نطالب بفتح تحقيق عاجل بالحادثة وإنزال أشد العقوبات بالفاعلين»، معلناً ان عناصر الجيش «لم يطلقوا النار تحذيراً في الهواء أو على الأرجل، الرصاص جاء في رقبة الشيخ أحمد. لن نسمح باستهدافنا في هذا الشكل». ووصف ضاهر الذي شارك في اجتماع في سراي طرابلس مع الجيش والقوى الأمنية، الحكومة «بحكومة سورية وهي لا تحمي أمن المواطنين». كما عقدت اجتماعات متلاحقة بين نواب عكار وفاعلياتها لتهدئة الأجواء بعد حال التوتر التي شهدتها المنطقة. الشعار: مهلة للتحقيق ودعا مفتي طرابلس والشمال مالك الشعار «أهالي عكار وإخواني العلماء أن يتريثوا في اتخاذ أي موقف حتى نعطي الدولة المساحة الكاملة للتحقيق»، وسأل عن سبب «إطلاق النار من جانب الجيش». وعقد الشعار اجتماعاً في منزله لوزراء طرابلس ونوابها لبحث الأمر، كما بقي على تواصل مع ميقاتي والحريري والرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة. ودعا مفتي ومشايخ عكار وفاعلياتها بعد اجتماع عقدوه أمس إلى إضراب عام اليوم الإثنين على جميع الأراضي اللبنانية، في حين أعلنت دار الإفتاء في عكار «إيقاف العمل 3 أيام حداداً على الشهيد ورفيقه». وأكد المشايخ أنهم «لن يسمحوا لأي جهة أن تحدث فتنة بين المواطنين والجيش». وراى المشايخ أن «هناك بعض ضباط وعناصر مرتهنة داخل المؤسسة العسكرية تريد أن تحدث شرخاً كبيراً بين المؤسسة والمواطنيين في هذا البلد ولا سيما في هذه المنطقة»، وطالبوا ب «إجراء تحقيق دقيق وشفاف وإنزال أشد العقوبة بالفاعلين بحق من ارتكب الجريمة التي هي جريمة بحق السلم الأهلي في البلد». وبالنسبة إلى مهرجان أنصار النائب ضاهر، علمت «الحياة» أن قيادات «المستقبل» كانت طالبت ضاهر قبل أيام بإلغاء المهرجان منعاً لحصول أية توترات، غير أن الأخير أعلن أنه لا يمكنه إلغاء المهرجان طالما أن «القومي» مصرّ على إقامة احتفاله.