ناقش البرلمان الأوروبي الأسبوع الماضي قضية تجريم من يثبت عليه الزواج من فتاة قاصر تحت سن ال16، ويشمل ذلك كل من يقيم على أراضيها. والغريب في الأمر أن كثيراً من الدول الإسلامية لم تنتبه إلى هذا الأمر، على رغم أهميته، ويحتاج من المشرعين إلى إعادة نظر. المعارضون لتحديد سن الزواج يتمسكون بأمرين، الأول في القرآن الكريم قوله تعالى في عدة المطلقة: (واللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ). فقالوا بأن «التي لم يأتها الحيض» عبارة مطلقة غير محددة السن، وربما تبدأ من الخامسة من العمر. والآخر رواية زواج الرسول، صلى الله عليه وسلم، من عائشة. بالنسبة إلى النص القرآني لم تجزم التفاسير كلها أن هذه الآية تعني الصغيرات في السن. ففي «تفسير مقاتل» قوله: «(واللائي لم يحضن) يعني عدة الجواري اللاتي لم يبلغن الحيض، وقد نكحن، ثم طلقن، فعدتهن ثلاثة أشهر». وفي «تفسير الطبري» قوله: «وكذلك عِدَدُ اللائي لم يحضن من الجواري لصغرهن إذا طلقهن أزواجهن بعد الدخول». وفي «تفسير القاسمي» قوله: (لم يحضن) أي: من الجواري لصغرهن إذا طلقهن أزواجهن بعد الدخول». وفي «البحر المحيط»: «واللائي لم يحضن يشمل من لم يحض لصغر، ومن لا يكون لها حيض البتة، وهو موجود في النساء، وهو أنها تعيش إلى أن تموت ولا تحيض. ومن أتى عليها زمان الحيض وما بلغت به ولم تحض». وفي «روح المعانى»: «ومن لا يكون لهن حيض ألبتة كبعض النساء يعشن إلى أن يمتن». وفي «التفسير القرآني» «وأما اللاتي لم يحضن أصلاً، لصغرهن، أو لأنهن من الممتدات الطهر أبداً، فلا يحضن». وفي «التفسير الحديث»: «أو بسبب بنيوي». وفي «تفسير السراج المنير»: «أي لصغرهن أو لأنهن لا حيض لهن أصلاً». أما بالنسبة إلى رواية عائشة، فقد أجمع معظم المؤرخين على أن ولادة عائشة، كانت قبل السنة التاسعة قبل الهجرة، وأن بناء الرسول، صلى الله عليه وسلم، فيها تم في شهر شوال بعد موقعة بدر، في السنة الثانية من الهجرة؛ وعليه يكون عمرها حينذاك 11 عاماً؛ وهذا يخالف النصوص التي قالت بأنها كانت في التاسعة. هذا من جانب، ومن جانب آخر، إن قضية حساب السنين والأشهر العربية في الجاهلية لا يعتد به علمياً؛ والسبب يكمن في أن العرب كانوا يستعملون النسيء في شهورهم العربية، أي بإنقاصها شهراً من كل عام. يقول الدكتور إبراهيم شعوط في كتابه «أباطيل يجب أن تمحى»: «إن كتب السير التي قدرت للسيدة عائشة تلك السن الصغيرة عند زواج الرسول، صلى الله عليه وسلم، بها، أجمع الرواة أنفسهم أن السيدة عائشة كانت مخطوبة قبل خطبتها من الرسول، صلى الله عليه وسلم، إلى رجل آخر هو جبير بن المطعم بن عدي، الذي ظل على دين قومه إلى السنة العاشرة للهجرة. فمتى خطبها المطعم بن عدي لابنه جبير؟ وليس معقولاً أن يكون خطبها وأبو بكر، رضي الله عنه، مسلم، وآل بيته مسلمون أيضاً؛ لأن مصاهرة غير المسلمين آنذاك كانت تمنعها الخصومة الشديدة بين المشركين والمسلمين. إذاً فمن المحتم أن تكون هذه الخطبة قبل بعثة الرسول، صلى الله عليه وسلم، أي قبل 13عاماً قضاها الرسول، صلى الله عليه وسلم، في مكة. فإذا بنى بها الرسول، صلى الله عليه وسلم، في العام الثاني للهجرة، تكون سنها، إذ ذاك، قد جاوزت ال14. وهذا على فرض أن المطعم بن عدي قد خطبها لابنه في يوم مولدها، وهذا بعيد كل البعد أن تُخطب البنت في يوم مولدها». ثم إن خصوصية الرسل لا تقاس بميزان بقية البشر، لمقامهم من ربهم؛ وإن خصوصية زواج الرسول، صلى الله عليه وسلم، من عائشة، يجب ألا نتجاوزه، فنعممه. نقل ابن حزم في «المحلى» قول ابن شبرمة: «لا يجوز إنكاح الأب ابنته الصغيرة حتى تبلغ وتأذن، وأن أمر عائشة خصوصاً للنبي، صلى الله عليه وسلم، كالموهوبة، ونكاح أكثر من أربع». وأيدّه في هذا أبو بكر الأصم، وعثمان البتي وغيرهما في أنه لا يجوز تزويج الصغيرة حتى تبلغ، لقوله تعالى: «حتى إذا بلغوا النكاح». قال ابن الجوزي في «زاد المسير» في معرض تفسيره لهذه الآية: «والبلوغ يكون بأحد خمسة أشياء، ثلاثة يشترك فيها الرجال والنساء: الاحتلام، واستكمال 15 سنة، لحديث ابن عمر: عرضت على النبي، صلى الله عليه وسلم، يوم أحد وأنا ابن14 فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن 15 فأجازني. قال عمر بن عبدالعزيز لما بلغه هذا الحديث: إن هذا الفرق بين الصغير والكبير؛ والإنبات لما روى الإمام أحمد عن عطية القرظي، قال: عُرضنا على الرسول، صلى الله عليه وسلم، يوم قريظة، فكان من أنبت قتل، ومن لم ينبت، خلي سبيله. وكون البلوغ يثبت باستكمال 15 سنة، والإنبات هو مذهب الشافعي، وأحمد، وابن وهب، وأصبغ، وابن الماجشون، وعمر بن عبدالعزيز، وابن العربي؛ وشيئان يختصان بالنساء: الحيض والحمل». إن ابنة التاسعة لا تفهم معنى المعاشرة الجنسية، ولا المقصد التشريعي منها. قال سحنون في «المدونة الكبرى»: «قلت أرأيت الصبية الصغيرة التي لم تحصن ومثلها يُجامع، إذا تزوجها فدخل بها وجامعها أيكون ذلك إحصاناً، أم لا؟ قال مالك: نعم تحصنه ولا يحصنها». إن زواج الصغيرة لا يكون إلا بعد البلوغ، وهناك الكثير من الأحاديث المروية عن النبي، صلى الله عليه وسلم، تشير إلى هذا؛ فقد روي عن ابن عمر قوله: توفي عثمان بن مظعون، وترك بنتاً له، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (هي يتيمة لا تنكح إلا بإذنها). وروى أبو موسى قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (لا تنكح اليتيمة حتى تستأمر). قال ابن الجوزي: «المراد باليتيمة البالغة، إذ غير البالغة لا إذن لها، وتسميتها باليتيمة مجازاً، وقد دل على هذا ما روى أبو موسى قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا زواج). وروي أن قدامة بن مظعون زوّج ابنة أخيه، عثمان بن مظعون، من عبدالله بن عمر، فرده النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو ما احتج به محمد في «المبسوط»، وقال: إن الرد كان بخيار البلوغ، ولهذا قال ابن عمر: والله لقد انتزعها مني بعدما ملكتها، فدل على ثبوت خيار البلوغ. * باحث في الشؤون الإسلامية.