قبل شهرين ماتت طفلة في الثامنة من عمرها تحت عريسها الفحل في اليمن، بسبب تهتك وتمزق رحمها، وبرأته المحكمة بحجة أن التسبب بالوفاة غير مقصود، وبالأمس هدد الشيخ عبدالمجيد الزنداني الحكومة اليمنية بأنه سيقود مظاهرة مليونية في صنعاء، في حال وافقت الحكومة اليمنية على تحديد سن الزواج. المعارضون لتحديد سن الزواج يتمسكون بنصين اثنين لإعطاء الرجال الحرية التامة للزواج من الأطفال، الأول في القرآن الكريم، قوله تعالى في عدة المطلقة: (واللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ)، فقالوا بأن التي لم يأتها الحيض عبارة مطلقة غير محددة السن، وربما تبدأ من الخامسة من العمر، والآخر رواية زواج الرسول «صلى الله عليه وسلم» من عائشة. بالنسبة للنص القرآني لم تجزم التفاسير كلها أن هذه الآية تعني الصغيرات في السن، ففي «تفسير مقاتل بن سليمان» قوله: «واللائي لم يحضن» يعني عدة الجواري اللاتي لم يبلغن الحيض، وقد نكحن، ثم طلقن، فعدتهن ثلاثة أشهر». وفي «تفسير الطبري» قوله: «وكذلك عِدَدُ اللائي لم يحضن من الجواري لصغرهن إذا طلقهن أزواجهن بعد الدخول». وفي «تفسير القاسمي» قوله: لم يحضن أي: من الجواري لصغرهن إذا طلقهن أزواجهن بعد الدخول». وفي «البحر المحيط»: «واللائي لم يحضن يشمل من لم يحض لصغر، ومن لا يكون لها حيض البتة، وهو موجود في النساء، وهو أنها تعيش إلى أن تموت ولا تحيض. ومن أتى عليها زمان الحيض وما بلغت به ولم تحض». وفي «روح المعانى» «ومن لا يكون لهن حيض ألبتة كبعض النساء يعشن إلى أن يمتن». وفي «التفسير القرآني للقرآن»: «وأما اللاتي لم يحضن أصلاً، لصغرهن، أو لأنهن من الممتدات الطهر أبداً، فلا يحضن». وفي «التفسير الحديث»: «أو بسبب بنيوي». وفي «تفسير السراج المنير»: «أي لصغرهن أو لأنهن لا حيض لهن أصلاً». هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يحق لولي الأمر تحديد سن الزواج حتى ولو كان الأمر مخالفاً للنص، فقد عطل عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، نص المؤلفة قلوبهم في القرآن الكريم، كما منع الزواج من الكتابية على رغم صراحة النص القرآني بإباحته، وهذا ما يسمى مقاصد الشريعة في الإسلام. أما بالنسبة لرواية عائشة رضي الله عنها، فإن خصوصية الرسل لا تقاس بميزان بقية البشر، لمقامهم من ربهم؛ وإن خصوصية زواج الرسول «صلى الله عليه وسلم» من عائشة يجب ألا نتجاوزه فنعممه، فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما تزوجها إنما كان يقصد من ذلك توطيد العلاقة مع أقرب الناس إليه، وأول مصدّق لدعوته، أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ مثل زواجه صلى الله عليه وسلم من ابنة عمر رضي الله عنه، وتزويجه صلى الله عليه وسلم ابنتيه لعثمان وعلي، رضي الله عنهما. وهذا كله كانت تحكمه الأعراف القبلية التي كانت سائدة آنذاك، فقد نقل ابن حزم في «المحلى» قول ابن شبرمة: «لا يجوز إنكاح الأب ابنته الصغيرة حتى تبلغ وتأذن، وأن أمر عائشة خصوصاً للنبي صلى الله عليه وسلم، كالموهوبة، ونكاح أكثر من أربع». وأيدّه في هذا أبو بكر الأصم، وعثمان البتي وغيرهما في أنه لا يجوز تزويج الصغيرة حتى تبلغ، لقوله تعالى: (حتى إذا بلغوا النكاح). قال ابن الجوزي في «زاد المسير» في معرض تفسيره لهذه الآية: «والبلوغ يكون بأحد خمسة أشياء، ثلاثة يشترك فيها الرجال والنساء، الاحتلام، واستكمال 15 سنة، لحديث ابن عمر في «الصحيحين»: عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن 14 فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن 15 فأجازني. قال عمر بن عبدالعزيز لما بلغه هذا الحديث: إن هذا الفرق بين الصغير والكبير؛ والإنبات لما روى الإمام أحمد عن عطية القرظي، قال: عُرضنا على الرسول صلى الله عليه وسلم يوم قريظة، فكان من أنبت قتل، ومن لم ينبت، خلي سبيله. وكون البلوغ يثبت باستكمال 15 سنة، والإنبات هو مذهب الشافعي، وأحمد، وابن وهب، وأصبغ، وابن الماجشون، وعمر بن عبدالعزيز، وابن العربي؛ وشيئان يختصان بالنساء: الحيض والحمل». إن ابنة الثامنة لا تفهم معنى المعاشرة الجنسية، وما المقصد التشريعي منها. قال سحنون في «المدونة الكبرى»: «قلت أرأيت الصبية الصغيرة التي لم تحصن ومثلها يُجامع، إذا تزوجها فدخل بها وجامعها أيكون ذلك إحصاناً، أم لا؟ قال مالك: نعم تحصنه ولا يحصنها». إن زواج الصغيرة لا يكون إلا بعد البلوغ، وهناك بعض الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم تشير إلى هذا؛ فقد روي عن ابن عمر قوله: توفي عثمان بن مظعون، وترك بنتاً له فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «هي يتيمة لا تنكح إلا بإذنها». وروى أبو موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تنكح اليتيمة حتى تستأمر». قال ابن الجوزي: «المراد باليتيمة البالغة، إذ غير البالغة لا إذن لها، وتسميتها باليتيمة مجازاً، وقد دل على هذا ما روى أبو موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا زواج». وإن نفذ هذا النكاح، لم ينعقد لازماً، حتى يثبت لها الخيار بعد البلوغ عند أبي حنيفة ومحمد، ومعنى خيار البلوغ أنه إذا بلغت ترفع الأمر إلى القاضي ليفسخ النكاح، وقد روي أن قدامة بن مظعون زوج بنت أخيه عثمان بن مظعون من عبدالله بن عمر، فرده النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما احتج به محمد في «المبسوط»، وقال: إن الرد كان بخيار البلوغ، ولهذا قال ابن عمر: والله لقد انتزعها مني بعدما ملكتها، فدل على ثبوت خيار البلوغ. * باحث في الشؤون الإسلامية.