هل يتضمّن البرنامج النووي المصري مخاطر ربما أفضت إلى تجميد تنفيذه؟ حاول مؤتمر «مستقبل الطاقة النووية في مصر»، الذي عُقد في أخيراً في جامعة عين شمس في القاهرة، البحث عن إجابة عن هذا السؤال، عبر استطلاع آراء عدد من أساتذة الفيزياء وهندسة المحطات النووية. «أمة بلا برنامج نووي تحمل جذور فنائها»، هذا ما رآه الدكتور رياض مجاهد، أستاذ الفيزياء النووية في «هيئة الطاقة الذرّية المصرية»، الذي كان يتحدث عن حال مصر إذا تخلت عن المشروع النووي. وأكّد مجاهد عبر ورقة بحثية، أهمية الطاقة النووية بإعتبارها طاقة المستقبل وقاطرة للتقدم في كثير من مجالات الزراعة والصحة والصناعة. وحذّر من أن مصر ستواجه ما وصفه ب»الكارثة» بحلول عام 2030، عندما يتضاءل نصيب الفرد من المياه ليصل إلى ألف متر مكعب سنوياً. وأشار إلى أهمية المحطات النووية في تحلية المياه، وتوفير ما يقدر ب 150 ألف متر مكعب سنوياً من المياه العذبة باستخدام الطاقة التي يوّلدها 150 مفاعلاً ذرّياً. توليد الهيدروجين ذريّاً تفادياً لمشكلات الطاقة النووية، مثل تخزين النفايات الذريّة وتوفير الوقود النووي، استعرض الدكتور هشام شهبندر، خبير نُظُم المفاعلات النووية، الأجيال الحديثة من هذه المفاعلات، خصوصاً الجيلين الثالث والرابع. وأوضح أن الجيلين كليهما استفاد من الحوادث النووية السابقة، عبر نُظُم تتفادى الأخطاء التي أفضت لتلك الحوادث. ويتميّز الجيل الثالث من هذه المفاعلات، وفق قول شهبندر، ببساطة التصميم، وقلّة المباني المحيطة بالمفاعل، والقدرة على مقاومة الزلازل، وتوفير ما يزيد على 85 في المئة من كابلات الكهرباء المستخدمة في المفاعلات التقليدية، ومثلها من أنابيب التبريد والصمامات، ما يساهم في تخفيض كلفة هذه المفاعلات. وأوضح أنها تحتوي أيضاً نُظُماً قوية في الأمان التلقائي، تنطلق في حال وقوع ظروف طارئة تعيق تبريد قلب المفاعل، كما حدث في فوكوشيما. ولاحظ شهبندر أن العوامل الطبيعية هي سيدة الموقف في مفاعلات الجيل الثالث. إذ يمكن لقوة الرياح المندفعة أو الغازات المضغوطة السماح بدوران طبيعي لمياه التبريد، بل توفر مياهاً داخل المفاعل لمدة تصل إلى ثلاثة أيام. وبيّن أيضاً أن مفاعلات الجيل الرابع لن تظهر إلا مع حلول عام 2030، موضحاً أنها مفاعلات حرارية تستطيع إنتاج غاز الهيدروجين. وأوضح أن صناعة السيّارات الحديثة تراهن على الهيدروجين لاستعماله وقوداً في سيارات المستقبل بديلاً من البنزين الذي بدأت موارده في النضوب، إضافة إلى أن احتراقه لا يتولّد منه سوى الماء، بمعنى أنه خالٍ كليّاً من غازات التلوّث. وخلص شهبندر للقول ان مفاعلات الجيل الرابع تعطي وقود الهيدروجين، إضافة الى أنها تخفض الحاجة لليورانيوم الذي يثير الشبهات حول استخدامه. في السياق ذاته، كشف الدكتور إبراهيم العسيري، مستشار هيئة المحطات النووية وكبير مفتشي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» سابقاً، أن حاجة مصر من طاقة الكهرباء تصل إلى 3 آلاف ميغاواط ساعة سنوياً، وهي كمية لا تستطيع الطاقات المتجددة (الشمس، الرياح، جوف الأرض...) تلبيتها من دون «مساندة» الطاقة النووية. «خلال 15 عاماً من الآن، تحتاج شبكة الكهرباء المصرية 60 ألف ميغاواط ساعة»، وفق قول العسيري، الذي طالب بسرعة اتخاذ القرار في شأن المشروع النووي المصري إما بتنفيذه أو إلغائه. ونبّه إلى أن الخسارة المادية التي تتكبدها مصر يومياً بسبب إرجاء تنفيذ برنامجها النووي، تصل إلى 3 ملايين دولار، فيما وصلت الخسائر طيلة الثلاثين سنة الماضية إلى 200 بليون دولار. وأضاف: «هناك 435 مفاعلاً في 29 دولة. وتعد أميركا الأولى في عدد المحطات النووية (104 محطات)، بينما تتفوق فرنسا في نسبة مساهمة المحطات النووية في إجمالي إنتاج الكهرباء، لأنها تحصل على قرابة 90 في المئة منها بفضل المفاعلات الذريّة».