الذرّة أنقذت فرنسا من الموت برداً في شتاء ال 2012. ربما تبدو العبارة مبتسرة وقاسية، خصوصاً لمن يرفضون نقل حضارة البشر من الإدمان على الوقود الأحفوري إلى الرقص على حافة الهاوية النووية ومفاعلاتها. وبحسب صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، ارتفع استهلاك الفرنسيين من الكهرباء الى أرقام فلكية غير متوقّعة خلال هذا الشتاء القارس، حين انخفضت حرارة الطقس بمقدار 7 درجات عما تكونه تقليدياً. ويؤدي انخفاض الحرارة بمقدار درجة مئوية الى زيادة حاجاتها للكهرباء بمقدار 2.3 ألف ميغاواط ساعة، ما يساوي حاجة الكهرباء في مدينة كبيرة مثل مرسيليا. واستطاعت فرنسا تأمين حاجاتها الأساسية والإضافية من الكهرباء بفضل 55 مفاعلاً ذريّاً، تعمل على مدار الساعة. هل يصبح الشتاء عنصراً آخر في المفاوضات الدولية حول الطاقة الذرية واستخداماتها سلمياً؟ أياً كانت الإجابة، فقد أثبت شتاء 2012 أن الخيار الذري ليس من الأمور التي يسهل النظر إليها بمنطق الأبيض والأسود. خيار حافة الهاوية ففي شباط (فبراير) الماضي، فاق استهلاك فرنسا للكهرباء 98.7 ميغاواط ساعة، وهو الأعلى تاريخياً. وتتكفل الذرة بإمداد فرنسا بما يزيد على 75 في المئة من الكهرباء. وتتمتع فرنسا بقدرة على تصدير الكهرباء تلامس 9 آلاف ميغاواط ساعة في الحدّ الأقصى. ومن الناحية العملية، تنخفض كلفة توليد ميغاواط ساعة من الكهرباء ذرياً بمقدار الضعفين مقارنة بتوليده من طاقة الرياح، وبمقدار 4 أضعاف مقارنة بالحصول عليه من طريق طاقة الشمس! وفي هذا الشتاء أيضاً، سجل استهلاك الغاز في فرنسا رقماً قياسياً، إذ لامس 3158 غيغاواط ساعة في الأسبوع الأول من شباط (فبراير) الماضي. واستفادت فرنسا أيضاً من مصدر تقليدي للكهرباء، هو الطاقة الهيدروليكية التي أعطت 15 ألف ميغاواط ساعة. وبحسب «لو فيغارو» أيضاً، اضطرت ألمانيا خلال الشتاء إلى زيادة شراء الطاقة من الشبكة الأوروبية، ورفع طاقة إنتاج مولّداتها التي تعمل على الفحم الحجري. بقول آخر، أدى الاستغناء عن 7 مفاعلات ذريّة، ضمن خطة تبنتها المستشارة أنغيلا ميركل لإغلاق مفاعلات ألمانيا الذرية كلها في عام 2022، إلى زيادة اعتمادها على الآخرين، وتكبّد تكاليف عالية، وزيادة تلوّث الهواء. ولا بد من الإشارة الى أن طاقة الشمس، على رغم استثمارات ضخمة فيها، لا تعطي ألمانيا سوى 3.1 في المئة من إجمالي حاجاتها من الطاقة! إذاً، ففي سياق التحدي الذي ألقى به شتاء 2012، أثبتت الطاقات المتجددة أنها مُكلفة، إضافة لكونها مشكوكاً في فعاليتها. ربما ليس عبثاً أن شتاء 2012، شهد اندفاع 5 دول الى تبني خيار الطاقة الذرية في توليد الكهرباء، مع احتمال انضمام دولتين الى هذه القائمة خلال السنة الجارية. بالمقارنة، شهد عام 2011 تخلي مجموعة كبيرة من الدول عن مشاريعها في توظيف الطاقة الذرية سلمياً لتوليد الكهرباء، خصوصاً بعد كارثة مفاعلات «فوكوشيما» في اليابان.