أكد رئيس مركز تقنية الاشعاع في معهد بحوث الطاقة في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية الدكتور أحمد علي بصفر، أن أمام السعودية فرصاً واعدة للاستثمار في الجيل الرابع من المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء وتحلية المياه خصوصاً أن مصادر غاز الهيليوم المستخدم في تبريد المفاعلات متوافرة، مشيراً إلى أن استحالة استخدام مفاعلات الجيل الرابع في أغراض غير سلمية يجعل المملكة في وضع متوافق مع جميع الاتفاقات الدولية المعنية بالتقنية النووية وسلامة استخدامها. وأضاف في حوار مع «الحياة»، أن مركز تقنية الإشعاع يعمل على مشروعين: الأول تطوير طريقة حديثة لإزالة مركبات الكبريت من النفط الخام تفادياً لانبعاث ثاني أكسيد الكبريت الملوث للبيئة، والثاني تطوير مركبات بوليمرية مقاومة للاحتراق، لافتاً إلى أن العمل يجري على تطوير مواد «متذكرة للشكل» باستخدام المعالجة بالإشعاع لتطبيقات متقدمة مثل زراعة التجهيزات الطبية في جسم الإنسان. وذكر أن السعودية تزخر بعدد لا بأس به من المتخصصين في العلوم والهندسة النووية كان لهم دور في وضع لبنات الاستفادة من التقنية النووية، مؤكداً أن مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية سيكون لها دور تأهيل جيل قادم من العلماء النوويين البارزين للإسهام في التنمية الوطنية. واعتبر أن تبني التقنية النووية في مجال توليد الكهرباء سيؤدي إلى دعم التنمية الصناعية وخلق فرص استثمارية جديدة تؤدي إلى توفير فرص وظيفية وتقديم خدمات متطورة للمجتمع، كما من الممكن الاستفادة من التقنية النووية في معالجة الأورام السرطانية، إضافة إلى دورها في تقديم منتجات صحية وآمنة ومتقدمة مثل الأغذية المحفوظة ب«التشعيع» والكابلات المقاومة للاحتراق والإطارات المعالجة بالإشعاع وتعقيم المنتجات الطبية والأدوية بالإشعاع. وفي ما يأتي نص الحوار: ما الأنشطة البحثية الجديدة في مركز تقنية الإشعاع؟ - تتركز الجهود البحثية في المركز حول مشروعين بحثيين: الأول التخلص من الكبريت في النفط الخام باستخدام الأشعة المُؤَيَّنة، والثاني تطوير المركبات البوليمرية القابلة للانكماش بالحرارة باستخدام الإشعاع. وبالنسبة إلى المشروع الأول فكما نعرف أن النفط الخام المحتوي على نسبة عالية من الكبريت يستخدم في محطات القوى الكهربائية ومحطات تكرير النفط، وفي ظل النظام الوطني لحماية البيئة، أصبحت هناك حاجة للتخلص من مركبات الكبريت تفادياً لانبعاث ثاني أكسيد الكبريت SO2 الملوث للبيئة. ويتم التخلص من مركبات الكبريت في الوقت الراهن باستخدام تقنيات معقدة تتطلب استخدام المحفزات والهيدروجين ثم معالجتها في درجات حرارة وضغط مرتفعة. هذه المراحل المعقدة من الناحية التقنية تسبب مشكلات بيئية متعددة، علاوة على أن هذه التقنيات لا تحقق المستوى العالي المرغوب لإزالة مركبات الكبريت. إلى ماذا يهدف هذا المشروع؟ - يهدف هذا المشروع إلى تطوير طريقة حديثة لإزالة مركبات الكبريت من النفط الخام، من خلال إجراء عملية أكسدة لهذه المركبات باستخدام أشعة جاما وتحويلها إلى مركبات لها القدرة على الذوبان في الماء أو غيره من المذيبات الكيماوية بحيث يسهل استخلاصها. وتعد هذه الدراسة الأولى من نوعها على مستوى العالم، حيث تركزت الأبحاث السابقة على مركبات الكبريت أو مشتقات النفط وليس خامه. وتمت الاستعانة بإحدى الخبرات الدولية المميزة في هذا المجال للمشاركة في مناقشة النتائج المتحصل عليها والتوصيات خلال المرحلة المقبلة من العمل البحثي. ما الجهات المستفيدة من هذا المشروع؟ هناك جهات عدة يمكن لها أن تستفيد من المشروع وهي شركة أرامكو السعودية في محطات تكرير النفط والشركة السعودية للكهرباء بمحطات القوى الكهربائية التي تستخدم النفط الخام وقوداً، إضافة إلى المؤسسة العامة لتحلية المياه. وماذا عن مشروع البحث الثاني تطوير المركبات البوليمرية؟ - كما نعرف أن صناعة المنتجات البوليمرية القابلة للانكماش هي أحد تطبيقات تقنية الإشعاع الحديثة. وتعد المملكة من أكبر الدول المنتجة للبولي إيثلين في العالم، وهو من أهم المواد البوليمرية المستخدمة في هذه المنتجات. وتحظى صناعة المنتجات البوليمرية القابلة للانكماش بالحرارة باهتمام عالمي في الوقت الراهن. والهدف الرئيسي من هذا المشروع تطوير مركبات بوليمرية مختلفة لها قابلية الانكماش بالحرارة وكذلك استعادة شكلها وحجمها الأصلي قبل عملية المعالجة. وهناك جهات عدة يمكن أن تستفيد من هذا المشروع، فعلى سبيل المثال شركة الكابلات الوطنية وشركة التغليف البلاستيكية وشركة سابك وشركة أرامكو السعودية. وتم خلال المشروع تطوير ثلاثة منتجات مصنفة بحسب المتعارف عليه في الصناعة، وهي الأنابيب المنكمشة القابلة للاحتراق والأنابيب المنكمشة المقاومة للاحتراق بمواد هالوجينية والأنابيب المنكمشة المقاومة للاحتراق الخالية من الهالوجينات باستخدام المعالجة بالإشعاع، ونطمح الآن في تصنيع هذه المنتجات على المستوى التجاري بالتعاون مع الصناعات الوطنية. والعمل جارٍ على تطوير المواد البوليمرية المتذكرة للشكل باستخدام المعالجة بالإشعاع لتطبيقات متقدمة مثل زراعة التجهيزات الطبية في جسم الإنسان. كيف تقوّمون تأثير تأسيس مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة في واقع التقنية النووية في المملكة؟ - يعد تأسيس مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية حدثاً تاريخياً ومنعطفاً رئيسياً للاستفادة من تطبيقات التقنية النووية المتعددة في دعم التنمية الوطنية الشاملة. كما تمثل هذه المدينة الناشئة فرصة كبيرة للعلماء النوويين لإبراز أهمية هذه التقنية الرائدة للمجتمع والإسهام في التنمية الوطنية من خلال محطات الطاقة النووية لتوليد الكهرباء أو الصناعات القائمة على التطبيقات الصناعية والزراعية والصحية للتقنية النووية. كما تزخر المملكة بعدد لا بأس به من المتخصصين في العلوم والهندسة النووية، كان لهم دور في وضع لبنات الاستفادة من التقنية النووية، سواء على المستوى الأكاديمي في الجامعات أم البحثي في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ومستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث وغيرها. متى كانت بداية وجود العلماء النوويين في السعودية؟ - يعود تاريخ تخرج العلماء النوويين السعوديين إلى السبعينات الميلادية من القرن الماضي، ثم توالى تخرج المتخصصين في مجالات الهندسة النووية والفيزياء النووية والكيمياء النووية من جامعات عالمية مرموقة حتى الوقت الراهن. ويعول على المدينة الناشئة في تأهيل جيل قادم من العلماء النوويين البارزين للإسهام في التنمية الوطنية الشاملة. ما أحدث التطورات في صناعة المفاعلات النووية؟ - يعد الجيل الرابع من المفاعلات النووية التي تعمل عند درجات الحرارة العالية والمبردة بغاز الهيليوم أحد أهم التطورات الحديثة لهذه التقنية. وهناك فرص واعدة للمملكة للاستثمار في هذه المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء وتحلية المياه. ما مبادئ عمل الجيل الرابع من الفاعلات النووية؟ - تعتمد مفاعلات الجيل الرابع على استخدام غاز الهيليوم في تبريد قلب المفاعل وألواح الفحم في تسهيل التفاعلات النووية بخلاف مفاعلات الجيل الثالث الحالية والتي تستخدم الماء في التبريد، وبما أن غاز الهيليوم غاز خامل فهو لا يتفاعل مع الوقود النووي، ومن ثم لا توجد مخاطر لحوادث تسرب الإشعاع بخلاف الحوادث النابعة عن تسرب مياه تبريد المفاعلات الملوثة بالإشعاع ومخاطرها الجسيمة على الإنسان والبيئة. ومصادر غاز الهيليوم في العالم كبيرة ومتوافرة وهو مصاحب للغاز الطبيعي، وهذا يجعل توافره في المملكة ميزة لبناء هذا النوع من المفاعلات النووية. ما جوانب المنافسة الاقتصادية للجيل الرابع من المفاعلات؟ - نظراً إلى استهلاك كميات أقل من الوقود النووي فإن تكاليف التشغيل والصيانة لمفاعلات الجيل الرابع تعد أقل من هذه التكاليف لمفاعلات الجيل الثالث. كما أن تكاليف إنشاء مفاعلات الجيل الرابع في المدى 450 إلى650 دولار أميركي لكل كيلوات ساعة مقارنة بدكلفة في المدى 1,000 إلى 1,600 دولار أميركي لكل كيلوات ساعة لمفاعلات الجيل الثالث، وبذلك تصبح الدكلفة التقديرية لإنشاء مفاعل نووي من الجيل الرابع بطاقة 600 ميجاوات 400 مليون دولار أميركي مقابل دكلفة تقديرية لإنشاء مفاعل من الجيل الثالث بطاقة 1,350 ميجاوات تبلغ 2,16 بليون دولار أميركي. ولأن تعقيدات تصميم مفاعلات الجيل الثالث فإن مدة تشييد المفاعل النووي تصل إلى 4 أعوام في مقابل عامين لمفاعل من الجيل الرابع. كما أن الكلفة الاستثمارية ومدة التنفيذ لمفاعل الجيل الرابع تقلص من مخاطر الاستثمار المتوقعة عند تنفيذ مفاعلات الجيل الثالث، إضافة إلى أن استخدام غاز الهيليوم مباشرة في توليد الكهرباء بدلاً من المرور بالمبادلات الحرارية يضيف ميزة اقتصادية لمفاعلات الجيل الرابع مقارنة بمفاعلات الجيل الثالث أو محطات الكهرباء التي تعمل بالغاز، بتوفير كبير في عدد التجهيزات وتكاليف التشغيل والصيانة. ما فرص الاستثمار في مفاعلات الجيل الرابع في المملكة؟ - نظراً إلى السلامة العالية لتشغيل مفاعلات الجيل الرابع نتيجة استخدام غاز الهيليوم في التبريد وطبيعة الوقود النووي المستخدم فإن فرص الاستثمار في هذا النوع من المفاعلات في المملكة تعد واعدة وذات ميزة مضافة، خصوصاً أن قضية شح المياه تلعب دوراً مهماً في تبني التقنيات المتقدمة في المملكة ولتوفر غاز الهيليوم المصاحب للغاز الطبيعي. وتتيح هذه المميزات إمكان استخدام مفاعلات الجيل الرابع في المواقع النائية وفي المدن الاقتصادية في مواقع عدة من المملكة، كما أن طاقة مفاعلات الجيل الرابع التي تصل إلى500 ميغاوات تتيح فرصة استخدامها في تجمعات صناعية وعمرانية محدودة، وهو ما يوفر من تكاليف نقل التيار الكهربائي عبر شبكات طويلة ومعقدة ومكلفة. وبسبب طبيعة تصميم الوقود النووي في مفاعلات الجيل الرابع واستحالة إساءة استخدامه لأغراض غير سلمية كانت المملكة في وضع متوافق مع جميع الاتفاقات الدولية المعنية بالتقنية النووية وسلامة استخدامها وهذا ما يعطي استقرارية أكثر لعمل هذه المفاعلات. وبما أن مفاعلات الجيل الرابع في مراحل التطوير التقني في عدد من دول العالم فإن ذلك يتيح للمملكة فرصة الريادة في تطوير وتوطين هذا الجيل من المفاعلات في العالم مع فرصة الاستثمار في تصدير هذه التقنية إلى عدد من دول العالم مستقبلاً. ما انطباعك عن مستوى وعي المواطن السعودي حيال التقنية النووية؟ - تم البدء في استخدام التقنية النووية في الصناعة النفطية في الستينات من القرن الماضي وقبل ذلك بالنسبة للتطبيقات الطبية، وهي في تزايد مستمر في المجالات الطبية والصناعية وأخيراً الزراعية. فعلى مستوى القطاع الصحي والصناعة النفطية والأكاديميين والباحثين هناك وعي جيد عن أبعاد التقنية النووية وأهميتها في التقدم التقني. أما على مستوى المجتمع بشكل عام فهناك قصور في هذا الجانب لتشعب تطبيقات التقنية النووية باستثناء التطبيقات الطبية ومنها التشخيص الإشعاعي ومعالجة الأورام السرطانية بالإشعاع، والتي تحظى بمعرفة لا بأس بها، وهناك حاجة لتكثيف جانب التثقيف في هذا الموضوع سواء على مستوى المسؤولين أو الصناعة أو المواطنين عبر مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة والمؤسسات التعليمية عبر التعليم العام والجامعي. ماذا عن تأثير هذه التقنية في المستوى المعيشي للمواطن السعودي؟ - إن تبني التقنية النووية في مجال توليد الكهرباء سيؤدي إلى دعم التنمية الصناعية وخلق فرص استثمارية جديدة تؤدي بالتالي إلى توفير فرص وظيفية وتقديم خدمات متطورة للمجتمع. كما أن الاستفادة من التقنية النووية في المجالات الطبية أثبتت جدارتها في تشخيص ومعالجة الأورام السرطانية. وسيكون للتطبيقات الصناعية والزراعية للتقنية النووية تأثير على الرفاهية في المجتمع عبر تقديم منتجات صحية وآمنة ومتقدمة مثل الأغذية المحفوظة بالتشعيع والكابلات المقاومة للاحتراق والإطارات المعالجة بالإشعاع وتعقيم المنتجات الطبية والأدوية بالإشعاع.