أستغرب أن تساهم صحيفة سعودية عريقة في ترويج أخبار مرجفة، ومن سذاجتها تبدو مثل أحاديث الأطفال التي يغلب فيها الخيال على الواقع. وكأنها بهذا تعضد الهجمة الشرسة ضد مشروع تعلم الطلاب السعوديين في الجامعات العالمية، فالخاسرون في تلك الصفقة وبعد شعورهم بأن الشباب قد فروا من قبضتهم روّجوا بين الناس بأن الشباب ما عاد أمامهم سوى طريقين، إما الإلحاد والتنصير أو العودة لحضنهم. وبحسب حديث لأحد شيوخ هذه الهجمة قال فيه إن والد شاب مبتعث اتصل به يسأله: «هل يجوز أن أقتل ابني (المبتعث)؟» ولم يقل لنا ما الذي يوجب قتله - فهذا ليس مهماً - وقد نصحه بأن لا يقتل ابنه ليس لأن القتل جريمة، بل لأن الخطأ لم يكن خطأ الشاب بل خطأ الأب الذي سمح لابنه بأن يبتعث! الصحيفة تزعم أن معهداً للغة في مدينة أميركية فرض على طلابه، وهم في المستوى الرابع - وهو مستوى متوسط - دراسة الإنجيل، بينما قد يكون كل ما حدث هو اقتباس مر في تمرين لغوي لجملة وردت في الإنجيل، لكنها استحقت هذه الضجة التي لن تحدث بالتأكيد لو أن طالباً مسيحياً قابَل في دراسته حديثاً نبوياً يقول: «إن النظافة من الإيمان». من عرف مناهج تدريس اللغة وطريقتها المبسطة سيعرف أن لا محل لكتاب الإنجيل فيها، ولو أن الخبر احترس قليلاً وقال نصاً أو جملة لكانت أسهل هضماً، بدلاً من تكبير اللقمة التي غص بها. هذه الأخبار التي تصور أن الطلاب يتعرضون لتهديدات في عقيدتهم قد تنجح في أن تزرع الشك في نفوس الناس والطلاب الذين لا يعرفون المجتمع الأميركي جيداً، وقد كان حصيلتها أن تثير جملة مقتبسة من الإنجيل الفزع في نفوس الطلاب والظن بأنهم مستهدفون، من دون أن يفكروا لوهلة أن هذه المدينة التي تستقبلهم توفر لهم المراكز الإسلامية والمساجد والمنظمات ولا تعترض على زي نسائهم ولا ممارسات شعائرهم في العلن، بل وتحترمها، ففي الصيف الماضي زرت جامعة في مدينة أورلاندو، وعرفت من أحد مدرسي اللغة أن فصول اللغة أوقفت بسبب دخول شهر رمضان، خوفاً من أن يتسبب صيام الطلاب في غيابهم. كما يعرف الطلاب جيداً أنهم لو وقفوا مع مواطن أميركي أمام المحكمة لن يجدوا في القانون ما يميزه عنهم. إن محاولة تصوير طلابنا وكأنهم يذهبون في مخاطرة هي فكرة مهووسة بالاضطهاد والتربص إن لم يكن بالكذب والاحتيال، وبدلاً منها علينا أن نبث الثقة في نفوس طلابنا بأن دين الإسلام هو دين التسامح واحترام الأديان والأنبياء، ولا سيما وهم يخوضون تجربة العيش في مجتمع مختلف في ثقافته وعاداته وأن عليهم الثقة بأن دينهم يقبل التسامح ويحترم الاختلاف. عليهم أن يفكروا بأن هذه البلاد - أناساً وليس نظاماً - ما كان بالإمكان أن يتجاوزوا حادثة «11 سبتمبر» التي قتل فيها ما يزيد على 3 آلاف إنسان باسم الإسلام لولا فلسفة التسامح النبيلة واحترام الآخر. وبدلاً من أن نصدق خبر أنهم يدسُّون إنجيلهم في مواد اللغة الإنكليزية لطلاب اللغة، علينا أن نقول: «إن كان المتكلم مجنوناً فعلى المستمع أن يكون عاقلاً». [email protected]