لا يمكن لأي شخص أن يتوقع مدى أهمية ونجاح الابتعاث الخارجي في المملكة العربية السعودية، إلا من شاهد على الواقع الطلبة المبتعثين لنيل دراستهم في مرحلة البكالوريوس أو الدراسات العليا، والتأثير الكبير الذي عكسته الدراسة في الخارج على شخصياتهم، لذلك ليس غريباً أن يسبق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الجميع لاكتشاف هذه الأهمية، ويضع استراتيجية الابتعاث الخارجي، التي جعلها مشروعاً تنموياً تعتمد عليه المملكة في العقود المقبلة، وتواجه به متطلبات القرن ال21، كان لي شرف الانضمام إلى وفد في مهمة رسمية إلى كندا برئاسة وكيل وزراة التعليم العالي للابتعاث الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الموسى، وعضوية كل من الأستاذ الدكتور علي بن محمد الصغير، والدكتور مساعد بن عبدالعزيز الفايز، وكاتب هذا المقال، لنرى على الواقع الطلاب المبتعثين، أحوالهم، دراستهم، مشكلاتهم ومدى تحقيق البرنامج لأهدافه. كانت المحطة الأولى من الزيارة هي مدينة تورنتو الكندية، التي تمتاز بالجمال الرائع، والخليط المتنوع من السكان، وفي وقت كان الجو رائعاً جداً فيها، إذ الضباب الكثيف الذي منعنا من ارتقاء برجها الرائع في أول أيام الجولة، والتقيت مع رئيس الوفد وباقي الأعضاء القادمين من الولاياتالمتحدة الأميركية، بعد جولة طويلة مضنية بدأت من الغرب الأميركي وانتهت بالعاصمة واشنطن، ليكملوا جولتهم في كندا، مطمئنين على الطلاب وسير العمل بينهم وبين الملحقيات ومذللين المشكلات التي تعترضهم خلال دراستهم، لقد كان في استقبالنا في تورنتو الملحق الثقافي في كندا الدكتور فيصل مهنا أبا الخيل، ورئيس الشؤون الثقافية في الملحقية الدكتور سليمان الرياعي، وعدد من الطلاب المبتعثين على رأسهم رئيس نادي الطلبة السعوديين في تورنتو، الذين جسدوا في تنظيمهم لهذا الاستقبال من المطار وحتى مغادرة المدينة إلى المحطة الثانية - مونتريال - فائدة ما ابتعثوا له من تنظيم رائع وتفاعل مع الحدث، لقد كان الطلبة في كل مراحل الدراسة مميزين ومتفاعلين مع ما ابتعثوا من أجله، وتلمس الحماسة والطموح والإصرار في قسمات وجوههم، وشكرهم المتواصل لخادم الحرمين الشريفين على برنامج الابتعاث الذي أتاح لهم الفرصة للتعرف على العالم الخارجي علمياً وثقافياً. كان اللقاء الأول مع الطلبة في إحدى قاعات جامعة تورنتو، التي تم حجزها عن طريق نادي الطلبة السعوديين في الجامعة، إذ وجه الدكتور عبدالله الموسى الشكر لخادم الحرمين الشريفين على تبنيه للبرنامج وسط تصفيق حار عفوي من الطلاب، مصحوباً بكلمات وصيحات الثناء والدعاء بطول العمر له، وكذلك الثناء على وزير التعليم العالي الدكتور خالد بن محمد العنقري، على دقته وحماسته في تنفيذ رؤية واستراتيجية خادم الحرمين الشريفين في الابتعاث الخارجي. لقد كان لقاءً بناءً تجسدت فيه الشفافية والحوار البناء من خلال التنظيم الرائع للقاء، والتعاون الرائع بين الطلاب في التنظيم وطرح الأسئلة التي كانت تعكس وعياً راقياً من طلابنا بعيداً عن المصالح الشخصية، وتهدف إلى إيجاد حلول لمشكلات القبول في الجامعات ومستوى معاهد اللغة، وغيرها من الأسئلة التي أجاب عنها وكيل الوزارة المكلف بشؤون البعثات بكل صراحة وشفافية.لقد رأينا شعوب العالم في تورنتو، مسؤول الغرفة من أثيوبيا وعاملة النظافة من الفيليبين ومن يعمل في المطاعم صينيون وكوريون، هذه تورنتو التي تمثل التعايش السلمي والتسامح بين سكانها، وهي أحد الأشياء التي يتعلمها أبناؤنا من وجودهم في هذه الدول، أي التسامح والحوار والتعايش مع الآخرين، إضافة إلى تحقيقهم للهدف الذي ابتعثوا من أجله، وهو النجاح ونيل العلم والعودة للوطن مسلحين بما تعلموه في هذه البلاد من علم ومعرفة. في اليوم التالي غادرنا إلى مدينة مونتريال، يرافقنا الملحق الثقافي والمشرف على الشؤون الثقافية، ووصلنا إلى المدينة ذات الطابع الفرنسي التي تتبع لمقاطعة كيبك ذات الأصول واللغة الفرنسية، واستقبلنا الطلاب في المطار بالتنسيق مع الملحقية التي لم توفر جهداً لإنجاح هذه اللقاءات، والتقينا الطلبة في المساء في مقر البعثة السعودية للهيئة الدولية للطيران المدني، وكان لقاءً جيداً معهم، دار فيه كثير من الحوار البناء في سبيل تذليل أي صعوبات يواجهها الطالب في بعثته، وكانت معظم الأسئلة تدور حول القبول بعد برنامج اللغة والضم للبعثة وشروطه وغيرها من الأسئلة التي كانت تشغل بال بعض المبتعثين. منذ أن تصل مدينة مونتريال، والطابع والطراز الأوروبي والثقافة الأوروبية، تشاهدها في كل ركن في هذه المدينة، التي غادرناها صباح اليوم التالي إلى العاصمة الكندية أوتاوا وبرفقة الملحق الثقافي والمشرف على الشؤون التعليمية، سالكين الطريق البري، إذ المسافة بين المدينتين لا تزيد على ثلاث ساعات، متذكرين الطرق الأميركية السريعة التي تربط بين الولايات الرئيسة، من الأشجار والغابات وبعض القرى التي تشاهدها على الطريق، ووصلنا إلى أوتاوا، إذ كان في استقبالنا عدد من الطلبة المبتعثين ومنهم طالب الدكتوراه المبتعث من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن لدراسة هندسة البيئة عمر العطاس، ليرافقنا مع زملائه الآخرين منذ الوصول وحتى مغادرة المدينة. منذ لحظة الوصول إلى «أوتاوا»، قام الطلبة بعرض وتقديم نتائج استبيان علمي قاموا به عن أهم المشكلات التي تواجه المبتعثين، ليساعد الجميع على استشفاف أهم المشكلات التي يواجهها المبتعثون في كندا، وتشغل حيزاً لا بأس به من اهتماماتهم قبل الالتقاء بهم، إذ بيّن الاستبيان أن عدد الطلاب المبتعثين في كندا أكثر من 8000 طالب وطالبة، يدرسون في التخصصات والمراحل كافة، لتتكرر التساؤلات التي واجهناها في تورنتو ومونتريال نفسهما، وبعدها اجتمعنا معهم في جلسة غداء وحوار طويلة قبل الاستعداد للقاء الموسع مع الطلبة في إحدى قاعات الجامعة في أوتاوا التي قام بحجزها نادي الطلبة السعوديين في الجامعة، واجتمعنا في المساء مع الطلبة وكان لقاءً مثمراً جداً، إذ دارت التساؤلات والحوارات حول كل ما يخص الطالب المبتعث، خصوصاً القبول وموضوع الحاضنات وغيرها من القضايا. نكمل في الأسبوع المقبل... * أكاديمي سعودي.