تبدو الحياة بموضوعاتها وعناوينها في مجموعة الشاعرة المغربية نجاة الزباير وقد أخذت عنواناً واحداً يكثّفها، ويعبّر عنها... هو الحب الذي يبدو الصوت والصدى، الصورة والظلال. نجاة الزباير في «فاتن الليل» تعيش ونعيش مع قصائدها حالة الحب، وهو هنا حبٌ لا يميل الى التجريد بل يجد تعبيراته في التوجّه نحو الحبيب الرجل الذي تحاوره الشاعرة مثلما تحاوره القصائد، وتلقي عليه أسئلة الحياة كلّها. ننتبه هنا بالذات إلى حميمية «السرد» الذي يبوح ولكنه يستعير ظلالاً كثيرة تنتخب صورها وعناوينها وإشاراتها لتقول ولتجتذبنا مع قولها إلى تلك المساحة الداخلية التي نرى حقاً أنها مساحة العلاقة بين الشعر والحب، باعتبار الحب أحد الأقانيم الأبرز في تجربة الشعر كلها منذ طفولة العالم. «فاتن الليل» (منشورات «أفروديت» – مراكش – المغرب – 2012) تجربة شعرية تلتقط هواجس المرأة العاشقة وتتوغّل في تأمُل صداها، بل تذهب نحو استحضار ذلك الصدى في روحها على نحو يجعل القصيدة إذ «تحاور» الحبيب تستحضره إلى مساحة الشعر، من دون أن تمزج ذلك الحوار بأسئلته وإجاباته المتخيلة بشفافية التأمُل ذاته بما هو قراءات في مرايا الذات وعصفها وتلاوينها: «الليل يبعثر أوراقه/ هل كان يقرأ لهم برج الحياة/ متأملاً خط الممات؟». تجربة نجاة الزباير في «فاتن الليل» تذهب بسلاسة نحو تخوم العشق بلغة رقراقة، أعني لغة تترفق بالمعنى والصياغات الشعرية إلى حد ملامسة ما هو عميق ببساطة، والتعبير عما هو داخلي بتلقائية. هي تنتبه كثيراً للعلاقة بين لغة القصيدة ومناخها العاطفي والشعري على نحو يقارب قصيدة النثر بجمالية وعذوبة: «كم سقطنا في بئر الحلم/ نحمل الهذيان سريراً/ وفوق كتف الشمس نصلّي». يمكن هنا الحديث عن «شباب» قصيدة النثر المغربية ومنهم نجاة الزباير ومنى وفيق وعبدالرحيم الخصّار وفاطمة الزهراء بنيس وغيرهم من الشعراء الشباب، الذين يعيدون بتجاربهم الشعرية العلاقة العضوية مع قصيدة النثر العربية عموماً، وهم الذين يعيشون واقعهم الخاص ويعبرون عنه. «فاتن الليل» بهذا المعنى حوار مع حداثة شعرية تبدأ من المحيط، المكان والمشاعر الفردية وبالذات الخصوصية الأنثوية. نجاة الزباير في هذه القصائد الجديدة تتجاوز تجاربها السابقة وتستفيد منها في كتابة شعرية تنحو أكثر في اتجاه مباشرة حميمة، أعني خطاب الذات البالغ الخصوصية، متكئة على الصورة الشعرية بالذات: قراءة قصائد «فاتن الليل» تمنحنا متعة التجوال السهل بين الصورة الشعرية الحسّية والبسيطة، ومسارات سردية ترغب في القول المباشر ذي اللغة الوجدانية المتخففة من أثقال القصدية والتكلف: «أعلق هذا الهوى تميمة/ فوق هدب نهاري /فأمشي في مفاصل الجرح / تتلصّص عليّ / من ضفاف القصيدة». تلفت انتباهنا في قصائد المجموعة بعض محطات تلجأ خلالها نجاة إلى «القافية»، أقصد بعض حرصها على أن «تغلق» الفقرة الشعرية بقافية أراها لا تنسجم مع بنائيات قصيدة النثر وسياقاتها الفنية، وهي بالمناسبة «عادة» شعرية رأيناها ولا نزال في بعض تجارب شعراء قصيدة النثر العرب، ومنهم الشاعر العراقي شاكر لعيبي. أعتقد أن تجاوز هذه «العادة» سيحرّر القصيدة من أية التباسات غير ضرورية، بل يساعدها على استكمال لياقتها وحرّيتها الكاملة، خصوصاً أن هذه «القافية» لا تضيف الى تجربة نجاة قدر ما تثقلها وتأتي على حسابها. الشاعرة المغربية نجاة الزباير في «فاتن الليل» تستحضر الحياة اليومية من حدقة مخيلتها الفردية، فترسم صورها ومشاهدها لوحات شعرية حارّة وجميلة.