تبدو مآلات الثورة السورية بعد مضي عام كامل على اندلاعها محدودةً، لا بل وقد تقتصر على خيار المقاومة المسلحة الشعبية. ويبدو أيضاً في الوقت ذاته الخيار المدني السلمي خياراً آخذاً بالتقلص والانحسار على حساب المكون التسليحي، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن العنف هو الخيار الذي تنحو الثورة باتجاهه في عامها الثاني. تعتبر السلمية خصيصة من خصائص الثورة في سورية، وهو ما تبدّى ولا يزال يتبدى جلياً في التظاهرات السلمية التي قادها ونسقها ناشطون مدنيون يؤمنون باللاعنف والتحويل المجتمعي السلمي، كالشهيد غياث مطر والفنانة فدوى سليمان والمحامي محمد عصام زغلول، الذي قاد اعتصامات نقابة المحامين في العاصمة دمشق، كما لا يزال الناشطون السلميون يفعِّلون الحراك المدني من خلال ما يوزعونه من بيانات ومناشير وملصقات تعبر عن روح الثورة وجوهرها. وإذا كان العنف الوحشي هو الخيار الذي جابه به النظام الشارع المحتج منذ اللحظات الأولى له، حيث عذب أطفال درعا ومن ثم قتل شبابها، فإن هذا الشارع لم يكن أمامه من مجال إلا أن ينحو بفعل غريزة البقاء لا أكثر نحو حمل السلاح (أيِّ سلاح) دفاعاً عن نفس ليس أمامها سوى الاختيار بين طلب الحرية وبين مجابهة الموت والاعتقال والانصياع. هكذا، ومع كل دورة للعنف يبدأها النظام، كان الشارع السوري بمكوِّناته المنتفضة ينحو بغريزته -لا بخياره- نحو السلاح الذي يجنبه هذه الدورات اللامتناهية. ولكن شيئاً فشيئاً أخذ المكون التسليحي في الثورة السورية يتمظهر في أشكال أكثر تنسيقاً وتنظيماً، أخذت تطلق على نفسها اسم كتائب الجيش السوري الحر تمييزاً لها عن كتائب النظام، التي أخذت تتحول مع الوقت إلى كتائب الأسد وشبيحته، وأخذت المواجهة الآن تنحصر أكثر وأكثر بين الجيش الحر وبين جيش الأسد، وهذا ما يدلل على الخيار الذي أراده النظام منذ بداية الأحداث، حيث كتب جنوده على جدران الأبنية في ساحة العاصي بحماة عبارة «الأسد أو لا أحد». إذاً كان الشعب السوري منذ البداية أمام خيارين: إما الرضوخ للأسد، وإما الفناء في مواجهة كتائبه وجنوده وشبيحته، ولقد اضطر هنا وهناك إلى مواجهة الفناء بالقوة. وهكذا، وعلى الرغم من الضرورة الموضوعية لوجود السلاح والجيش الحر في ثنايا الثورة، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن الخيار المدني السلمي قد سقط من دون رجعة، بل العكس هو ما يصح، فالأساس لا يقاس بردود الأفعال التي تبدو كخيارات، وإنما بالأفعال التي هي نتيجة لخيارات، وإن كان الشعب السوري الآن يواجه ضرورات الطبيعة بالدفاع عن نفسه، فإن جوهر الأمور يبقى كما هو: الثورة السورية ثورة شعبية اجتماعية تقطع مع ما سبق من استبداد وطغيان وعنجهية، وتؤسس لحرية وديموقراطية وإنسانية بالدرجة الأولى. لذا، فإن المقاومة الشعبية المسلحة هي ضرورة للبقاء وللاستمرار، كما أن الخيار المدني اللاعنفي هو الجوهر الأساس للثورة السورية ولشعبها. * كاتب سوري