بين نار الشوق وجنة العلم تقف أنفس صامدة أمام أقدارها، خالقة أجواء شبيهة بالمعتادة لتتخطاها بفرح ظاهر وانكسار باطن. «المبتعثون» رغم فرحتهم بوضع أقدامهم في أولى خطوات الكفاح إلا أنه ما يطل هلال رمضان المبارك عليهم حتى تغمر الدموع عيونهم، مستعيدين فتح كتاب الذكريات ليستوقفوا عند صفحات أيام وليالي الصوم مع أهليهم، والحنين يلفح بنسماته العابرة حاملاً روحانية الشهر الفضيل من ديارهم. «الغربة» جعلت المبتعثين يخلقون أجواء مشابهة لما ألفوه في ديارهم مع من حولهم من زملاء الدراسة لتخفف عنهم وحدتهم، وتجبر كسر ما في نفوسهم ب «اللمة» وإعداد الموائد الرمضانية وتزيين منازلهم بالفوانيس كما أوضحوا خلال حديثهم إلى «الحياة»، ليلمسوا بذلك الروحانية الدينية. وأكدت المبتعثة إلى نيوزيلندا عبير العمري أن استقبال رمضان في الغربة لا يعتبر كاستقباله في الوطن، إذ يقتصر فقط بالاستعداد النفسي وترتيب المنزل الصغير بوضع الفوانيس الصغيرة عند المدخل وتعليق إمساكية رمضان بحسب التوقيت المحلي لكل مدينة. وزادت: «بالطبع الحنين لصوم رمضان المبارك في الوطن كبيراً جداً، ولكن أجواء الدراسة تجبرنا على التكيف في تعويض هذا الحنين، وأكثر شيء نفتقده هو وجود الأهل الذي يعوض بأصحاب الغربة الذين يحتلون منزلتهم، وأفضل ما يميز أصحاب الغربة تماسكهم وتعاطفهم، وعدم التكلف والبساطة في كل شيء مع مراعاة لظروف الحياة المعيشية في الخارج، ما يجعلنا نجتمع كثيراً في رمضان». وترى المبتعثة رزان القحطاني أن الغربة أحيت روح التعاون بين المبتعثين، إذ يشارك كل شخص بعمل طبق للاجتماع على مائدة الإفطار ولو كان بسيطاً كطبق الفول مثلاً أو طبق الشوربة، مفيدة بأن الموائد لا تخلو من الأطباق الرمضانية المعتادة كالسمبوسك واللقيمات والشورية والتمر واللبن وغيرها من الأطباق الآخرى. أما المبتعثة مها أنور فتفتقد لرقائق السمبوسك في الغربة رغم توافر غالبية المواد الغذائية التي تستخدم في إعداد الوجبات الرمضانية، مضيفة: «غالبية ملاك المحال التي تبيع المواد الغذائية الرمضانية من العرب أو المسلمين، إذ يستغلون هذه الفترة لعرض بضائع من العام الماضي وعمل عروض مُغرية لقرب انتهاء صلاحيتها، ما يجعل غالبية الطلاب والطالبات يحرصون على رؤية تاريخ انتهاء الصلاحية قبل شراء أي منتج». وأشارت إلى وجود محال لبيع المواد الغذائية يضع لائحة يُكتب عليها(SALE FOR RAMADAN) تخفيضات لرمضان، وتكون التخفيضات للمسلمين فقط، ما يجعلهم فخورين باحترامهم لهم ك «دين وشريعة مقدسة». ويشتاق المبتعث فهد الزهراني لسماع صوت المساجد في رمضان، مؤكداً أنها نعمة عظيمة كان يجهلها سابقاً، وخصوصاً صوت الأذان، ما يجعل غالبية الطلاب والطالبات يضعون ساعة الفجر في منازلهم التي يكتفون بها لسماع الآذان ومعرفة أوقات الصلوات. وأضاف: «في شهر الخير توجد أماكن ومساجد لجموع المسلمين كافة تؤدى فيها صلاة التراويح والقيام ولكنها محدودة العدد ولا يكون صوت الصلاة بها جهرياً للخارج، إذ لا تتجاوز جدران المساجد، والأصعب كونها بعيدة جداً ومع ارتفاع أسعار البنزين يصعب علينا يومياً الذهاب لها، ما يجعلنا نعوض ذلك بالصلاة مع الأصحاب أو في منازلنا». ومن سلبيات الدراسة في رمضان الذهاب للجامعات والمعاهد خلال النهار، ما يتطلب الصبر كما يرى المبتعث محمد القحطاني، إذ إن الطلاب الأجانب يقومون بالأكل والشرب أمامهم، خصوصاً رائحة القهوة النفاثة كل صباح في قاعة المحاضرات بحسب قوله. وقال: «إنه حين نفكر أنها فترة ونعود للوطن نشعر بفرح داخلي يدفعنا للصبر على تحمل هذه الأيام بعيداً عن مشاعر التذمر، وقد علمتنا الغربة الكثير من الأمور التي غيرت في شخصياتنا ومن أهمها قوة الإرادة في الاعتماد على النفس بعيداً عن الأهل ومواجهة الصعاب وتحمل ظروف الحياة المعيشية الخالية من التبذير والترف». ويبقى الخوف والقلق ينتاب المبتعث إلى الولاياتالمتحدة الأميركية ريان محمد من تجربة الصوم بعيداً عن أهله ووطنه كونها التجربة الأولى له، موضحاً أن غالبية المبتعثين من أصدقائه أكدوا له أن الأجواء الرمضانية يخلقونها باجتماعاتهم على مائدتي الإفطار والسحور.