يأتي كوفي أنان إلى الحريق السوري من نادي الحكماء. علمته تجربته الطويلة تفادي الأوهام والاقتصاد في التفاؤل. لا يحتاج إلى من يذكره أن ملفات الشرق الأوسط من الأعقد في العالم. وأن الملف السوري من الأعقد في الشرق الأوسط. وأن مهمة الإطفائي هناك تضعه على خط التماس مع حقوق يصعب إنكارها ومخاوف يصعب تجاهلها ومصالح يصعب التوفيق بينها. كما تضعه على خط التماس مع دول قلقة ومحاور مستنفرة وطوائف متوترة. وأن الأسباب المحلية لاندلاع الحريق لا تحجب انعكاسات مصيره على التوازنات الإقليمية والدولية. لا يمكن التعامل مع هذا الحريق وكأنه مجرد صراع على سورية. ولا يمكن التعامل معه أيضاً وكأنه مجرد صراع في سورية. لو نظر المراقب بواقعية إلى المشهد السوري لاستنتج أن ظروف نجاح مهمة أنان ليست متوافرة في الوقت الحالي. إننا أمام نظام يستطيع توجيه ضربات موجعة إلى المعاقل الرئيسية لحركة الاحتجاجات لكنه عاجز بعد عام عن إنهائها. إننا أمام معارضة تستطيع الاستمرار في استنزاف النظام لكنها غير قادرة حتى الآن على توجيه ضربات قاتلة إليه. نظام متماسك وغير قادر على اقتلاع المعارضة. ومعارضة متنامية وغير قادرة حتى الآن على اقتلاع النظام. توازن رعب في بلد سقط فيه عشرة الآف قتيل. من يتابع الوضع السوري عن قرب يتلمس حجم المأزق. نظام ذهب بعيداً في قمع المحتجين من مدنيين وعسكريين. سلوكه في الأسابيع الأخيرة يوحي أنه لا يزال يراهن على أسلوب الضربة القاضية. يشعر الآن أنه غير قادر على التراجع بعدما فعل بالآخرين وما لحق به. معارضة تشعر بصعوبة التراجع بعدما قدمت وباتت تراهن على الضربة القاضية أي إسقاط النظام برمته. لكن ميزان القوى الحالي لا يسمح لأي من الطرفين بتسديد ضربة قاضية. الإصرار على السير في اتجاهها يحمل أخطار حرب أهلية وأنهار من الدم. يعرف كوفي أنان حجم المأزق. يُدرك أيضاً أنه غير قادر على توجيه ضربة قاضية إلى الحريق السوري. يقول المطلعون على تفكيره وأسلوبه أنه يتصرف انطلاقاً من أن مهمته تستلزم وقتاً غير يسير. وأنه لا يتوهم القدرة على إقناع طرفي النزاع الداخلي في سورية وأن البداية الفعلية لمهمته لن تكون على المسرح السوري. ويقولون أيضاً أنه سيسعى بالدرجة الأولى إلى ترتيب مظلة دولية للحل. وهذا يعني إقناع الصين «التي تتعاطى مع الوضع في سورية وعينها على مصادر الطاقة في الخليج». ويعني أيضاً إقناع روسيا «التي تتعاطى مع دول الخليج وعينها على مصالحها في سورية». لا تبدو حياكة المظلة الدولية سهلة لكنها قد لا تكون مستحيلة. يرى أنان أن المظلة الدولية ستُسهل توفير غطاء إقليمي للحل خصوصاً حين يتم التقريب بين مبادرة الجامعة العربية والموقفين الروسي والصيني. بعد توفير المظلتين، الدولية والإقليمية، سيتمكن أنان من مخاطبة طرفي النزاع باسم إرادة دولية واسعة. هذا لا يعني أن أنان «لن يحاول وقف القتل خلال فترة عمله لتوفير المظلتين» لكن المهمة لن تكون سهلة. أي وقف جدي للنار قد يعطي المعارضة فرصة التدفق إلى الساحات بأعداد غير مسبوقة وهو ما لا يقبله النظام ولا طاقة له على احتماله. سيحاول أنان ملء مرحلة الانتظار بأفكار ومقترحات مهما كانت الأجوبة مخيبة. سيتحدث عن وقف العنف وآلية رقابة وحل عبر الحوار. المتابعون يرون أن رهان الضربة القاضية يرشح سورية لأيام أشد هولاً. وبينهم من يعتقد أننا سنشهد بحراً من الجنازات قبل أن ينجح أنان في إطلاق الحل أو إشهار يأسه وانسحابه وفي الحالين نحن أمام وضع من قماشة الضربة القاضية.