أجزم أن حلقة «طاش ما طاش» العام الماضي الخاصة بموضوع رعاية سيدة عجوز توفي عنها زوجها واختلف إخوانها وأولادها الذكور على حق أو واجب رعايتها، وانتهت الحلقة بمشهد خاص بتركيب «أسانسير» أو مصعد بدائي فوق السطح بعد سلسلة طويلة من «الشحتفة»، اختصرت الرسالة في جملة صغيرة قالها أحد أبطال المسلسل وهي «نحن أولى بحضانة الوالدة»! جملة وضعت النقاط على كثير من الحروف، ربما ضحكنا كثيراً والدموع تملأ أعيننا، فعلاً ما زالت المرأة في مجتمعنا تحتاج حضانة مهما بلغ عمرها! في برنامج «كلام نواعم» يوم الأحد سُلّط الضوء على مشكلة «أم محمد» كما سمّت نفسها، وهي الأم التي تبلغ من العمر 35 عاماً المطلقة، التي سجنت لمدة 3 أشهر بسبب رغبتها في العيش مع والدتها بعد طرد والدها لها بعد تهديدها بالسكين، وبعد أن «تبلى» عليها بأنها تعمل في مكان مختلط، وبأنها تبيت خارج المنزل، وبأنها يجب أن تكون في حضانته. استوقفتني كثيراً جملة جاءت في حيثيات الحكم «بأن القاضي أفاد بضرورة أن تعيش المذكورة مع رجل تهابه» لماذا؟! موضوع يحتاج لمقالات مطولة ستكون موضع اهتمامي. أعرف كما تعرفون أنتم الكثير من الحالات المشابهة، فالحالة المذكورة أخبرها القاضي بأنها لا تتوقع أن ينصرها على والدها من دون أن يعاقبه حتى على تهديده لها بالسكين، ولا لطردها من منزله مع ابنتها ثم الادعاء عليها. صدمني تصريح أحد الضيوف من جمعية معنية بحقوق الإنسان، الذي أفاد بأن المؤسسة التي يعمل بها والتي ترصد اختراقات حقوق الإنسان لا تملك صلاحيات لأنها ليست جهة تنفيذية، وبأنها حاولت كثيراً مع الأب الذي يرفض كل المساعي عن طريق كبار الشخصيات والعمد والإمارة وغيرها! ستبقى القصص المؤلمة تجوب في الأفق تبكينا وتستوقفنا، نفهمها بل نتفهمها عندما تكون الفتاة صغيرة وغير راشدة ولا عاقلة، وتصدمنا عندما نسمع بأن المعنية امرأة بالغة رائدة وأم ابنتها ترى وتسمع كل ما يدور، والذي سيصلها بعد كل هذه المشاهدات أن والدتها ربع إنسانة لا يحق لها الاختيار وليست لها خيارات، إما أن تذعن لرغبة والدها وإما أن تذهب إلى السجن. مشكلتنا أن الحقوق لدينا ليست واضحة، مشكلتنا أننا نطبع الكتيبات الفاخرة ونوزعها، مشكلتنا أننا نحاول زرع ثقافة حقوق الإنسان وندعي أن استمرار القصص المأسوية سببه المرأة لأنها لا تعرف حقوقها الشرعية، ونكتشف في نهاية المطاف أن الملكة المتوجة التي نتحدث عنها ليل نهار والدرر المكنونة التي سعى المجتمع لخدمتها برموش عيونه لا تستطيع لا تستطيع لا تستطيع اختيار أبسط حقوقها، ونأتي على ذكرها كقصة نتفاعل معها قليلاً ثم... ننتظر قصة أخرى تتردد فيها الكلمة المؤلمة نفسها «حضانة الوالدة»! [email protected] @s_almashhady