تبدأ حياة الزوجين كصورة تزدان بالحب والمودة وتغلف بالسعادة، ما تلبث أحيانا أن تتمزق بفعل الكراهية والمشاكل فيكون الفراق هو الحل لمسلسل لم ينته سيناريو أحداثه بعد، ليبدأ الجزء الثاني الذي يحمل بعدا أكثر مأساوية، فحصاد هذا الزواج هم الأطفال الذين يكونون في الغالب الخاسر الأكبر جراء هذا الفراق، فيعيشون واقعا مريرا ينتظرون خلاله حلا جذريا ينهي معاناتهم ويضع المشهد الأخير لهذا المسلسل. ولقد أوجد الإسلام الحل وأنشأ ما يعرف بالحضانة، ليكفل حق الأبناء ويصونهم من الضياع ويوفر لهم المأوى والمأكل والمشرب، والأجواء التي تريحهم نفسيا وتضمن حقوقهم وتجبر جراحهم. لكن الحضانة اليوم لا تنشد أهدافها كما يقول مختصون، فبدل أن تكون محضنا لحياة هادئة أصبحت طريقا للاضطراب كما أفصحت استشارية نفسية، وبدل أن تبني وتجبر ما تشقق تحولت لتعطيل طريق المرأة للزواج خشية أن تفقد فلذات أكبادها جراء زوجها الجديد. «عكاظ» فتحت ملف القضية الشائك وناقشت الأسباب الحقيقية وراء فقد مفعول الحضانة الإسلامية أهدافها، وهل فعلا باتت عائقا مؤرقا يهدم بدل أن يحل مشاكل المجتمع؟، واستعرضت بعض القصص، وخلصت إلى الحلول التي تجعل الحضانة فعلا تتماشى مع أهداف الشريعة الإسلامية والإنسانية، فإلى التفاصيل: بداية تقول أ. م وهي مطلقة «أنادي لتغيير لجنة الإصلاح المتولية مهمات الحضانة، لأنهم يفتقدون التعامل الحسن مع المراجعين»، مضيفة «عانيت وغيري من طريقتهم بدل معونتهم لنا على الحضانة». وزادت «بعد لجوئي إليهم مطالبة برؤية ابنتي مرتين كون حضانة أبنائي لدى أبيهم، أجابني أحدهم وبصوت عال احمدي ربك على مرة شهريا». وتواصل «لم أمانع حضانة أبنائي مع أبيهم خوفا من سن المراهقة، ولم أطلب سوى رؤية ابنتي مرتين شهريا بعد بلوغها السابعة لحاجتها للعطف والأمومة». وأردفت: ابنتي تتمنى عودة الماضي لمعاناتها الحالية وتردد دائما «يا ماما الأمر بيدك ويمكن أن تذهبي إلى القاضي وتأخذيني»، مؤكدة على أن الحضانة في صورتها الحالية تتسبب في تعاسة الأبناء أحيانا. وقالت «أرى من الخطأ ذهاب البنت في السابعة مع أبيها، لأنها لن تجد الحب والحنان من أمها ولن تحصل على رغباتها أحيانا». وذكرت أن البنت تصل إلى سن تتغير نواحيها الجسمية بحيث تصبح الحاجة لبقائها في حضانة أمها أكثر جدوى، فهي الأقدر على مصارحة ابنتها ومراعاة حالاتها، ولاحظت أن أبناءها «يستعرون» منها كونها مطلقة ويجعلون امرأة أبيهم رغم اختلاف شكلها وبشرتها الأم أمام الناس، داعية إلى إعادة النظر في حال البنات برأفة، وألا يجبرن على الذهاب مع والدهن إن كن لا يرغبن. وطالبت بتمديد عمر البنت إلى ما بعد السابعة لتذهب مع والدها وتحصل على العناية الكافية من أمها متقاسمة الحب والحنان والعطف معها. حرمان للأمهات أم مهند وهي مطلقة أيضا، أبانت أن لديها أربعة أبناء يقاسون آلام ومرارة الحضانة، مشيرة إلى أنها منذ زواجها في سنتها الأولى بدأت المشاكل تدب في حياتها، مضيفة «أخذ مني أبنائي وقت المشاكل أي قبل طلاقي وكان أصغرهم رضيعا لم يتجاوز تسعة أشهر». وعن معاناتها، تسرد مشكلاتها بعد أن زادت مع طليقها قائلة «بدأ يتنصت ويسجل مكالماتي، وتصعدت المسألة إلى الضرب والإهانة، كما طردني من بيتي»، وتواصل: معاناة أبنائي ليست فترة الطلاق والحضانة، بل منذ زواجنا لا ينامون معي ويحرمهم التلفزيون في بيتي وكل وسائل الترفيه، ليضطروا إلى الخروج إلى بيت جدهم كوننا في عمارة سكنية واحدة. وزادت «حرموني من رؤيتهم بعد ذهابي إلى بيت أبي وذلك قبل الطلاق بسنة كاملة ولا أراهم إلا في دار الملاحظة، وبعد الطلاق يأتون بهم مرة كل أسبوعين بملابس ممزقة، وإذا أعطيتهم عصيرا أو مأكولات أخذها والدهم أمام البيت ورماها»، مضيفة «قطعوهم عني حاليا قرابة العامين ليصبح جل الحرمان ثلاث سنوات من عمري، وحاليا أنتظر المحكمة الشهر المقبل للبت في الحضانة التي فرقت بيني وأبنائي». تعطيل للحياة لكن عضوة هيئة التدريس في جامعة الملك عبد العزيز الدكتورة إلهام باجنيد أكدت أن الحضانة ليست حقا للوالدين بل للطفل، حسبما تقتضيه راحته النفسية والاجتماعية. وقالت «لا يشترط أن تكون البيئة مناسبة لدى الأب، بل يمكن مع الأم وإن تزوجت ، أو لغيرهما عند وجود المكان الآمن والعطف والقدرة على تدبير حاجات المحضون». وطالبت بضرورة إيجاد لجان اجتماعية ونفسية تقف بجانب القضاة تساندهم في إطلاق الحكم، منوهة أن التطبيق القضائي الحالي تجاه الحضانة له أضراره. وبينت باجنيد أن النبي (صلى الله عليه وسلم) له نظرته تجاه الحضانة في ذلك الوقت، واستدركت: لكن هناك مستجدات عصرية والوضع تغير، وباتت المرأة تعاني القهر وتتمنع من الزواج من آخر حماية لأبنائها لئلا يبعد أطفالها عنها، ما أسهم في تعطيل حياتها وفتح بابا لفتنة وفساد عريض. واستشهدت بالحادثة التي خير فيها النبي (صلى الله عليه وسلم) غلاما بين أبويه، بأنه لم يثبت أن النبي (صلى الله عليه وسلم) جعل الأحقية للصبي دون الفتاة، ما جعل قول الحنابلة أضعف الآراء الفقهية في المسألة. تغير الأحكام ووافق القاضي في المحكمة الجزئية في الرياض الدكتور عيسى الغيث ما قالته الدكتورة إلهام، نافيا وجود أرقام تبين حجم معاناة الحضانة. وذكر أن نسب مشكلات الحضانة محدودة مقارنة بالطلاق، قائلا «صكوك الزواج السنوية تربو على 120 ألف عقد أي قرابة ال10 آلاف حالة زواج ربعها يؤول إلى الطلاق». وأشار إلى أن أغلب حالات الفراق تتم في السنة الأولى قبل وجود الأبناء، منبها بأن الطلاق المصاحب للأولاد قليل والنزاع القضائي فيه محدود، مضيفا «خصومة الوالدين على الحضانة بعد الطلاق طبيعية، فكلاهما يرغب في الأبناء». ونفى القاضي في المحكمة الجزئية في الرياض الظلم في حكم الشريعة قائلا «القاضي يراعي مصلحة المحضون دون النظر للحاضن، فلا تقدم الرغبات على حساب المصالح». مضيفا «لا ننكر وجود نزاع على الحضانة، أما رمي المسؤولية والتخلي عنها فنادر، والوالدان لا يرفضانها». ولفت الغيث إلى أن القاضي يراعي المصلحة، فإن تنازلت الوالدة عن حضانتها دون أسباب رغم أنها الأصلح فإنه يجبرها على الحضانة. وأبان أن إجبار الفتاة على الذهاب مع والدها بعد السابعة ليس مطلقا، مبينا إمكانية استمرارها مع والدتها وإن مانع الأب. ويواصل: لم نر حاضنة تؤذي ابنتها، بينما سمعنا آباء يؤذون بناتهم أو أبناءهم وهو نادر، مضيفا «وصل الأمر أحيانا للوفاة وهذا نتاج خطأ إدراك مقصد الشرع». وبين الغيث أن هناك فهما خاطئا لدى الناس لأحكام الحضانة، لذلك فقد سعي القضاة بكافة قدراتهم لتحقيق العدل والإنصاف وإن لم يعلموا ما بداخل الأسر، منبها «يجب رفع الظلم عن المحضون والرجوع للقاضي وعدم السكوت». ظلم المحضون وحذر القاضي في المحكمة الجزئية في الرياض من اتهام القضاة بمشاركتهم في ظلم المحضون، قائلا «هم يجتهدون لجلب المصالح ودرء المفاسد». وأفصح الغيث عن إمكانية استمرار الحضانة للأم بعد زواجها، إن كانت المصلحة معها ووافق زوجها الجديد. وحذر من المفاهيم المتسببة في حرمان المطلقات من الزواج، مشددا على أن الجهل سبب مفاسد، كما سلب مصالح وحقوق المرأة، مؤكدا أن رؤية أحد الوالدين ابنه فترة حضانة الآخر من حقوق الابن ووالده المحروم، وأما الحرمان فيوجب اللجوء للقضاء. وناشد الغيث بإصدار قانون للأحوال الشخصية بكامل الحقوق والواجبات والأحكام القضائية المترتبة على الطلاق، مطالبا بضرورة جعل قانون للطلاق يبين المسائل والنتائج والحقوق والواجبات ويشمل الحضانة والنفقة والزيارة وغيرها، مؤكدا تعرض كثير من الأطفال والنساء للظلم، مناديا بوجوب المسارعة بدفع المضرة في قضايا الأحوال الشخصية، مع إصدار الأنظمة والقوانين المفصلة. وشدد على أن المشكلة ليست في الفقه بل في فهمه وتعاطيه، فالأم أحيانا أولى من الأب في حضانة البنت، منبها إلى أن المطلق يطالب بحضانة ابنته ويجعلها عند أمه أو زوجته الأخرى، في حين أن أمها أولى وإن كانت متزوجة. وبين أن مصلحة المحضون تتغير من وقت لآخر متنقلة بين الوالدين، حسبما تقتضيه المصلحة. وشدد على أن تحميل الدين وشريعته السمحة المظالم خطأ، فهو يرفض الظلم بشتى صوره، مشيرا إلى أن الدارج لدى بعض طلبة العلم والناس أن الأصل هو مصلحة المحضون في تلك الأزمنة والأحوال، دون لزوم الاستمرار عند تغير الأحوال والظروف، موضحا أن القاضي يدرس حالة المحضون الصحية والنفسية والتربوية والاجتماعية، ويأخذ رأي أهل النظر قبل الحكم. ونوه إلى أن الجهل في مقاصد الشريعة اعتداء على كمالها. وأكد وقوفه على حالات وجد فيها أن حضانة الأم بعد زواجها أولى من الأب، منبها إلى أن المسألة ليست صراع طرفين، بل البحث عن الأصلح، قائلا «باب الحضانة في الفقه كبير، ويحتاج لمراجعة وتجديد حسب الظروف والأحوال واختلاف العادات والأعراف»، داعيا إلى بث الوعي الفقهي والقانوني ورفع الظلم عن الأطفال والنساء، فالشريعة سمحة تتبرأ من المظالم، وأما التقصير فهو من البشر. ضياع المستقبل من جانبها، أكدت استشارية الطب النفسي ورئيسة قسم الأمراض النفسية في مستشفى الملك فهد والمستشارة الدولية للأمم المتحدة الدكتورة منى الصواف أن مشاعر الأطفال ليست بيد المحكمة أو القرار المتعسف أو رهن الحضانة، ونوهت إلى أن الأطفال لا يعرفون إلا المودة والمشاعر الدافئة، وأما الكراهية فتكتسب مع الزمن والظروف المحيطة. وأبانت أن الحرمان العاطفي والعنف يولدان الكراهية المكتسبة في نفوسهم البريئة، قائلة: الحضانة حاليا لا تحقق هدفها الشرعي، بل تحولت أحيانا للشعور بالحرمان والكراهية. وأشارت الصواف إلى معايشتها قبل أيام طفلا لم يتجاوز السابعة لديه تبول لا إرادي، ولا يمارس حياته طبيعيا، ولا يرغب في ممارسة ألعاب الأولاد، ويشوه الدمى بكسر وجوهها وأيديها، ويعاني صعوبة في النطق، فضلا عن ميله العدواني تجاه أي طفل يمسك بأمه. وقالت: علته والدته، فبعد ولادته بشهرين افترقت عن والده،فيما تولت جدته لأبيه العناية به. وتواصل «بدأ الابن ملاحظة اختلاف اسم امه في الأوراق الرسمية عن التي تربيه وذلك بعد ذهابه إلى مقاعد الدراسة، كما بدأت تراوده اضطرابات، وعند سؤاله لا يسمع سوى أمك ماتت أو سافرت». وأشارت إلى ازدياد تعقده بعد حضور جدته إلى المدرسة، ما جعل زملاءه يقولون «أمك وحشة وعجوزة»، عندها قال والده «أمك رمتك» فزادت وساوسه وبات يفكر هل والده هو أيضا شخص آخر. وذكرت أن هذا الطفل وغيره يتعرضون لأمور عدة كحرمانهم حنان الأم ما يسهم في اضطرابهم، قائلة: لا أعتقد أن الشرع يرضى بهذه المعاناة بل هو أرحم وأرأف، مبينة أن الحضانة لها تأثيرها النفسي الشديد فالغموض أقل وقعا على من مات والده لأن اليتيم تفهم وضعه وعاش الواقعة، خلافا لمن يفاجأ بالصدمات. وشددت الصواف على أن رعاية البنت ليست في الطعام أو الشراب فالكل يجيد ذلك، لكن إجبارها على الذهاب مع والدها في سن صغيرة ربما يحرمها الرعاية العاطفية. وأشارت إلى خطورة الأمر قائلة: يعزف أصحاب هذه الحالات أحيانا في الكبر عن الزواج، إضافة إلى السلوكيات التي تعتريهم كالخلل والاضطراب، تدني المستوى الدراسي، عدم القدرة على التعامل بعاطفة سوية مع الآخرين، الغلظة في التعامل، وانتشار العقوق، متمنية اهتمام القضاة بالنواحي النفسية للشخص وليس بما هو عليه حاليا، قائلة: مشاعر الإنسان لا تشترى أو تقدر بثمن.