كنت أعلم منذ وقعت عيناي على الخبر أنه لن يمر مرور الكرام، ولن أرى ولن اقرأ في نتائج التحقيقات «جملة اقتنع الوالدين بعرضيه الحادث وتم تسليمهما جثة طفلتهما» تمهيداً لدفنها وخلاص كما يحدث في المجتمعات العربية. كنت أعلم أن الخبر سيلحق به نتائج مؤلمة نبعت بعد استكمال التحقيقات أولها سحب حضانة ابنهما البالغ من العمر 3 سنوات، أما لماذا؟ فلأن الزوجين المبتعثين اللذان وصلا للتو لأميركا وواشنطن دسي بالتحديد، أطمأنا على نوم أطفالهما في الفندق ثم ذهبا لشراء طعام العشاء تاركين الأطفال الصغار بمفردهما. رغم آلمي الشديد على النتيجة المؤلمة، وعلى وفاة الطفلة التي لا تتجاوز السنة في حوض استحمام غرفة والديها غرقاً بالماء الحار، ورغم حزني الشديد على الطفل الذي سيحرم من والديه وعلى الوالدين اللذين فقدا طفلة صغيرة لا حول لها ولا قوة ولا تستطيع حماية نفسها ولا استشعار الخطر وفقدا حضانة طفلهما الأكبر البالغ 3 سنوات، الذي استيقظ من نومه وظل يلعب مع أخته بالماء الساخن حتى غرقت، ولم يتمكن من إنقاذها، لأنه ببساطة طفل بريء هو الآخر يحتاج لرعاية ومراقبة دائمة، ولا ينبغي تركه نائماً مع أخته في أي مكان من دون رعاية بالغين راشدين عاقلين، لذلك تنشط في هذه المجتمعات ظاهرة «البيبي ستر» التي يمكن استدعاؤها من الفندق بالساعة، مقابل أجر زهيد يزرع الطمأنينة لأي زوجين مسؤولين يريدان أن يخرجا سوياً أو يجلبا طعام العشاء أو يذهبا لموعد طبيب دون اصطحاب أطفالهما. هذه الثقافة لا نملكها «بعد» فما زلنا نتعامل مع الأطفال، وكأنهم ملكية خاصة، وليس كائن مستقل بذاته له حقوق، ومن أولويات هذه الحقوق «تنشئته في بيئة آمنة محمية تحمي حياته وجسده ومشاعره وأمنه»، بيئة لا تحرمه فجأة من أبويه فيستيقظ لا يجدهما، وهو لا يعلم أين ذهبا؟ ومتى سيحضران؟ وهل سيراهم ثانية أم لا؟ لن أخوض اليوم في «موضوع أمنه النفسي أو مشاعره» ليس لأنها ليست مهمة، ولكننا لم نصل بعد للأولوية الأولى وهي حمايته من المخاطر وحماية جسده وحماية حياته من أخطار متوقعة. حتى تثبت هذه الأولوية كثقافة لدينا أعود لأكتب عن حقوق الطفل النفسية التي يسببها الحرمان الفجائي من الوالدين (كطلاقهما أو اختفاء أحدهما)، دون سبب يقنعه أو يفهمه أو يستوعبه، رغم أن الأطفال تستوعب وتفهم إذا لم يهتم أحد بهم، وبحقهم في معرفة ما يدور حولهم بشرح التغييرات التي ستطرأ على حياتهم، المهم عندهم أن يعلموا متى سيشاهدون الطرف الآخر ويطمأنوا أنهم لن يحرموا منه دون سبب. أعود للفقرة الرئيسية في المقال الذي استفز ذاكرتي التي ما تزال تسأل عن حادثة طفلة المسبح، الذي حاول والدها يعلمها السباحة بطريقة الغمر الخطر، والتي اختفت من ذاكرتنا دون أن نعلم ماذا حل بها وماذا حل بالأب المدرب، و دون أن نعلن للمجتمع بأن ما حدث بحسن نية جريمة يجب أن يعاقب عليها القانون بقوة. قبل عدة شهور ذكرت الصحف خبراً عن وفاة طفلة اختناقاً في سيارة والدها بعد نسيانها وهي نائمة، وختم الخبر باستكمال التحقيقات وبتوقيع الوالد على عرضية الحادث دون مساءلة عن الإهمال (والحمد لله رب العالمين). [email protected] twitter | @s_almashhady