قبل بضعة أشهر، قررت مجموعة من ستة فلسطينيين من سكان رام الله ركوب حافلة لزيارة القدس. لم تكن رحلة عادية، فالحافلة المدعومة من الحكومة الإسرائيلية تربط مستوطنات يهودية في الضفة الغربيةبالقدس واسرائيل، والرحلة للفلسطينيين على الحافلة، والتي غالباً ما يتنقل بها المستوطنون اليهود فقط، على طرق فلسطينية، لم تدم طويلاً، إذ تم اعتقالهم بالقوة على مدخل مدينة القدس بالقرب من قرية حزما الفلسطينية. الركاب الفلسطينيون الذين لم يحاولوا إخفاء هويتهم أو جنسيتهم، أطلقوا على أنفسهم لقب freedom riders «ركّاب الحرية»، وأبلغوا الصحافة التي كانت تغطي رحلتهم أنهم استلهموا تحركهم غير العنيف من نشطاء الحقوق المدنية في الولاياتالمتحدة، الذين استخدموا الاسم نفسه بهدف فضح التمييز العنصري الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية. وركاب الحرية الأصليون كانوا نشطاء الحقوق المدنية والذين ركبوا الحافلات التي تتنقل بين الولايات باتجاه الولايات الجنوبية العنصرية. دفع الفلسطينيون احتجاجهم اللاعنفي خطوة أخرى نحو الأمام الأسبوع الماضي، فقد حاولت سيارات فلسطينية يوم الثلاثاء 9 كانون الثاني (يناير) أن تسافر على الطرق الفلسطينية نفسها التي يستخدمها الإسرائيليون، ومرة أخرى انتهت الرحلة بمواجهة مع الجنود الاسرائيليين الذين اعتقلوا خمسة فلسطينيين عندما أوقفوا الاحتجاج بالسيارات. سواء كان المتظاهرون راكبين سيارات أو كانوا يقودونها، فقد تركز معظم هدفهم على ما يشار اليه بالمنطقة «جيم»، فخلال تنفيذ اتفاقات أوسلو تم تقسيم الضفة الغربية ثلاث مناطق: المنطقة «أ» التي تشمل معظم المدن المأهولة في الضفة، وهي تحت السيطرة الأمنية والإدارية للسلطة الفلسطينية، والمنطقة «ب»، وهي الواقعة خارج المدن الفلسطينية الرئيسية، وقد تركت تحت السيطرة الإدارية الفلسطينية لكن اسرائيل احتفظت بالسيطرة الامنية عليها، وأخيراً المنطقة «ج»، التي تشكل 59 في المئة من مساحة الضفة الغربية، بما في ذلك جميع المستوطنات الكبيرة والمناطق الإسرائيلية المحيطة، أي مواقع المؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي لديها السيطرة الإدارية والأمنية. تشمل المنطقة «ج» وادي الأردن بكامله (مع بعض الاستثناءات الصغيرة في ما يخص أريحا وقرية العوجا)، وكذلك جميع مناطق النمو الطبيعية في الضفة الغربية. وفيما تستمر إسرائيل في خرق التزاماتها تجاه سيطرة السلطة الفلسطينية الامنية في المنطقة «أ»، فإن مستقبل الأراضي التي يرغب فيها كل من إسرائيل والمستوطنين الإسرائيليين ستكون المشكلة الكبيرة في السنوات المقبلة. وقد أدرك عدد كبير من الأميركيين المؤيدين للسياسة الإسرائيلية والذين يشاركون في المفاوضات، مثل دنيس روس، أن المنطقة «ج» سوف تكون المكان المحتمل الذي قد تحدث فيه علامات واضحة للسلام، فدعا روس في مقالة له في «واشنطن بوست» مؤخراً، الحكومةَ الإسرائيلية لتخفيف التشدد بالنسبة الى وصول الفلسطينيين إلى أراضيهم التي هي الآن تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة. العالم لا يزال يؤيد حل الدولتين بشكل ساحق، ولكن الفلسطينيين يسألون عن المناطق التي سيوجد فيها الجزء الفلسطيني من مشروع حل الدولتين، فمشاريع البنية التحتية الرئيسية، مثل المطار، لا يمكنها أن تكون إلا في المناطق التي هي الآن تحت السيطرة الأمنية والادارية الإسرائيلية التامة. وفيما قد يكون الفلسطينيون قادرين أن يقرروا ما هي أنظمة مدنهم وارتفاعات المباني في نابلس أو الخليل، فإنه لا يمكنهم أن يقيموا أي خطط تنموية خارج حدود مدن الضفة الغربية. فلا عجب أن تعلق محادثات السلام حول قضية المستوطنات. لقد حاول المبعوثون الدوليون (في الأغلب اللجنة الرباعية) الالتفاف على هذه العقبة من خلال المطالبة بأن يقدم الفلسطينيون والإسرائيليون خططهم بشأن الحدود والأمن في 26 كانون الثاني الجاري. وبينما يقترب هذا الموعد، نشهد أن الفلسطينيين قدموا خططهم، في حين أن الإسرائيليين يحتجبون، فمن المستبعد جداً أن يحصل في عام الانتخابات الأميركية أي اختراق في المحادثات. وهذا يعني أنه لعام مقبل على الأقل، أو نحو ذلك، سيكون ميدان المعركة الحقيقي هو ما يشار اليه عادة بالمناطق «ج». * كاتب فلسطيني