إذا كان القارئ بحاجة إلى مرجع عالي الصدقية عن الثقافة العربية والشباب وقضاياهم، والسينما والمسرح والأغنية، فليس عندي مرجع أفضل من «التقرير العربي الرابع للتنمية الثقافية» الذي صدر عن مؤسسة الفكر العربي هذا الشهر. لن أدّعي أنني قرأت التقرير كله فهو في حوالى 750 صفحة ومعه «سي دي» لخبراء التكنولوجيا الحديثة. قرأت عن ملامح سوق العمل للشباب في السنوات العشر الأخيرة، وأقلقتني أرقام العاطلين من العمل، إلا أنني وجدت ما يطمئن في إقبال الجيل الجديد على العلوم، والجزء الخاص بسورية مهم بالنظر إلى العنف اليومي هناك، وهو يصلح للمقارنة بعد سنة بواقع التعليم في سورية وكيف أثّرت فيه المواجهات الدموية المستمرة. التقرير يرصد كتابات الشباب في بلدان عربية عدة، من لبنان وسورية إلى مصر والسودان، وأيضاً تونس والمغرب، والسعودية ودول الخليج، غير أن الجزء الذي قرأته كله بسبب اهتمامي الشخصي كان عن اللغة وعنوانه «اغتراب اللغة أو اغتراب الشباب»، والسبب اهتمامي بحماية اللغة العربية، ولا أطلب من الشباب لغة طه حسين أو مصطفى لطفي المنفلوطي، وإنما مجرد لغة صحيحة، وهذا ممكن. والتقرير يوضح أن شباباً كثيرين يستعملون لغتين مع غلبة الإنكليزية كلغة ثانية، وهذه ظاهرة صحية، وأؤيد تعليم الإنكليزية كلغة ثانية لغلبتها العالمية، ولا أخاف على العربية طالما هناك قرآن كريم ومسلمون. وأبقى مع المثقفين والباحثين وكتاب آخر هو «إشراقات، كتاب الموسم الثقافي العاشر» 2010-2011 في البحرين، من إصدار مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث. وكانت الشيخة مي آل خليفة، وزيرة الثقافة البحرينية، أهدتني الكتاب مع زر عن المنامة عاصمة الثقافة العربية سنة 2012، ومرة أخرى أعترف بأنني لم أقرأ كل بحث في الكتاب فهو في 337 صفحة بالعربية وحوالي 200 صفحة بالإنكليزية، وإنما قرأت ما يهمني منه، خصوصاً ما كتب أصدقاء أو زملاء مثل سهام شعشاع، الشاعرة الحسناء التي سبق أن أشرت إلى ديوان لها قبل سنوات، وجورج رجي عن الشعر والصحافة، وحسن داود سائلاً هل هو زمن ازدهار الرواية العربية أم زمن فوضاها، والمناضلة الليبية فريدة العلاقي، شريكة المؤتمرات، والزميلة بارعة علم الدين التي رافقتها من بيروت والبحرين إلى لندن وبالعكس. لا أستطيع أن أنصف أي كتاب في عجالة صحافية، وهدفي هنا أن أنبّه القراء إلى كتب راقية تستحق القراءة، وقد يكون بعضها ضمن نطاق اختصاصه أو اهتمامه. وعندي ثلاثة كتب أخرى: - «كوبا، الحلم الغامض» للدكتور عبدالحسين شعبان، وهو مفكر كريم لا نجتمع في مؤتمر إلا ويهديني كتاباً من تأليفه. وقد أعجبتُ تحديداً السنة الماضية بكتابه «سعد صالح، الضوء والظل» عن سياسي عراقي مثقف متعدد المواهب أنجز في مئة يوم في حكومة توفيق السويدي سنة 1946 ما لم ينجزه غيره في عقود. وجدت الكتاب عن كوبا مرجعاً في العلاقات بين الثورتين الكوبية والفلسطينية، وهو ضم تفاصيل كثيرة أعترف بأنها كانت جديدة عليّ. وسررت تحديداً بقصائد الشاعر الصديق الراحل محمود درويش أو أناشيده عن كوبا، فقد كادت تغيب عن الذاكرة لولا أن ذكّرني الدكتور شعبان بها، كما انه قدمني أيضاً إلى قصائد عن كوبا لم أكن قرأتها للشاعر عبدالوهاب البياتي. - «ولادة بنت المستكفي» للدكتور صلاح جرّار، وزير الثقافة الأردني، وولادة صاحبة أول صالون أدبي في أوروبا عندما كانت في عصور الظلام والعرب في نهضة. فهرس المصادر والمراجع يكفي دليلاً على مدى جهد الكاتب في جمع مادة الكتاب، وهو لطالب أدب مثلي قراءة ممتعة. - «السيرة الخلدونية، مأساة فيلسوف عربي» من تأليف الزميل والصديق وليد نويهض، وأترك الزمالة والصداقة جانباً وأقول أن وليداً يعرف كل شيء عن ابن خلدون، وكتابه يعكس هذه المعرفة في حوالى 250 صفحة وجدتها مفيدة مثيرة مؤثرة كلها. أتمنى أن أكون أثرت رغبة القارئ بطلب ما يهمه من هذه الكتب، ولا أقول سوى أن كلاً منها مرجع في موضوعه. [email protected]