منذ شهرين أو أكثر وكل ما أقرأ له علاقة بعملي، عملية السلام المستحيل، الحكومة العراقية الغائبة، الحرب المستمرة في أفغانستان، الانسحاب الأميركي الجزئي من العراق، مذكرات توني بلير وأراها «اعتذارية» حقيرة تفتقر الى شاعرية اعتذاريات النابغة. هذه ليست قراءة. ما أمارس هو جلد النفس، رحلة عذاب تتضاعف وأنا أنظر الى الكتب والمجلات والمطبوعات التي أريد قراءتها ولا أستطيع. في الطائرة من بيروت الى لندن قرأت «حماري والكومبيوتر»، وهي رواية ظريفة من تأليف الدكتور فؤاد الحاج، عالم الفيزياء النووية الذي أعترف بأنني لم أكن سمعت عنه من قبل. والرواية تنتهي بصفحات عن تسهيل قواعد اللغة العربية أتركها للخبراء. كنت حملت معي كتاباً آخر من بيروت هو «هندية الصوفية الآثمة» من تأليف برنار هيبرجي وترجمة جان هاشم عن الفرنسية، صادر عن دار النهار، وقد نقلني الى عالم أزمة دينية وسياسية في جبل لبنان في القرن الثامن عشر، وبقي أن أكمل قراءته. ووصلت الى لندن ووجدت في انتظاري «نيويورك ريفيو أوف بوكس» (عدد 19/8 - 29/9) وفيه كل ما أريد أن أقرأ فلا أستطيع، وأقدم مادة على أخرى لمجرد انني مضطر للاختيار. كان هناك مقال كتبه فرانك ريتش عن «تقصير» باراك أوباما رئيساً، ومقال بعنوان «وداعاً دبي» يناقش مادة ثلاثة كتب عن أزمتها المالية، ومقال عن الأزمة المالية واليورو كتبه جورج سوروس، وآخر عن كأس العالم وما ارتكب خلال المباريات من ممارسات معيبة، ومقال عن القانون والسلاح الشخصي في الولاياتالمتحدة كتبه ستيفن براير. وكدت أتجاوز مقالاً خفيفاً عن الزواج لولا أنني لاحظت أن الكاتبة ديان جونسون تعرض فيه خمسة كتب دفعة واحدة يجمع بينها عناوينها الظريفة، وكانت من نوع «الزواج وأعمال خيرية أخرى» و «لماذا هو؟ لماذا هي؟» و «شكّاك يعقد صلحاً مع الزواج» و «تزوجيه: القبول بزوج معقول (بدل زوج مثالي)»، وهكذا رغم الجهد السابق فالكاتبة الناقدة فاتها كتاب عندي ولم أقرأه بعد هو «أعتقد انني أحبك» من تأليف أليسون بيرسون. وكلمة سريعة عن المطبوعة التي تعنى بعرض الكتب، فعندما بدأت أقرأها كان يرأس تحريرها بربارة ابستين وروبرت سيلفرز، وقد توفيت الأولى سنة 2006، وخسرت المجلة أخيراً مساهماً عظيماً هو المؤرخ والكاتب البريطاني توني جوت الذي خاض معارك مع الاستعمار الإسرائيلي، غير أن المجلة حافظت دائماً على مستواها الراقي وموضوعيتها، فهي تضم أنتلجنسيا من اليهود طلاب السلام العاملين له وغيرهم كثيرين. في البيت، وجدت قرب السرير الكتاب «قطب السرور في أوصاف الأنبذة والخمور». كان الكتاب حيث وضعته قبل أن أسافر، وهو من تأليف إبراهيم بن القاسم الرقيق القيرواني، وتحقيق الدكتورة سارة البربوشي بن يحيى في جهد فائق نالت عليه الدكتوراه، من جامعة السوربون، وإصدار منشورات الجمل. عنوان الكتاب يكاد يكون مضللاً فهو في 1248 صفحة ويتجاوز كثيراً الأنبذة والخمور ويضم أخبار مجالس الملوك والأمراء والشعر والشعراء وأيام العرب وقصصاً من نوع ما قرأنا في «الأغاني» و «العقد الفريد». وقد بدأتُ أقترب من إكمال قراءة نصف هذا الكتاب. أتوقف هنا لأقدم للقراء روبرت لبلنغ، أو بوب كما نسميه، فهو زميل وصديق عزيز تعود معرفتي به الى السبعينات عندما جاء الى بيروت وأنا أرأس تحرير «الديلي ستار» وعمل معنا محرراً وكاتباً، ووقع في حب العرب وبلادهم، حتى انه لا يعود الى وطنه الولاياتالمتحدة إلا زائراً. كنت بعد أن تركت بيروت في بداية الحرب الأهلية الى لندن، ثم الى جدة حيث رأست تحرير «عرب نيوز» طلبت من بوب أن يعمل معنا، وهو بقي بعد أن تركت جدة، ولا يزال يقيم في المملكة العربية السعودية ويعمل ضمن نطاق اختصاصه في الميديا. في السنوات الأخيرة بدأ بوب يتابع موضوع الجن بعد أن قرأ في القرآن الكريم السورة عنهم، وتابع كل ما نشر من الشرق الأوسط الى أفريقيا وحتى أوروبا. وهو أسس مع أصدقاء له موقعاً على الإنترنت باسم «جماعة الجن» لجمع المعلومات وتبادلها. كتابه بالإنكليزية عن تاريخ الجن صدر قبل أيام، وقرأت أكثره وأنا في الطائرات، وأستطيع أن أقول بموضوعية أن الكتاب سيكون المرجع الثقة عن أخبارهم فأرجو أن يترجم الى العربية. بوب يعرف معنى الفعل جنن، أو جنّ بالعربية، ولا أزال أذكر عن أستاذي نسيم نصر كلاماً له عن الموضوع، وجنّه تعني ستره وأخفاه، والجنّ خلاف الإنس سموا بذلك لاحتجابهم عن الأنظار، وجنان الليل وجنونه اي ما سترت ظلمته، والجنن هو القبر لستره الميت، والجنين هو المقبور، وأيضاً الطفل ما دام في بطن أمه، والجنان القلب المخفي داخل الصدر، والمجن هو الترس الذي يستر حامله، وثمة عبارة معروفة قرأت انها تعود للإمام علي الذي قال لابن عباس: قلبت لابن عمك ظهر المجنّ. وأخيراً جن الرجل جنوناً، فهو مجنون، أي حجب عقله. هذا ما أريد أن أقرأ بدل خطابات عملية السلام. [email protected]