واشنطن - أ ف ب، يو بي آي - ناقش الرئيس الأميركي باراك أوباما مع نظيره الروسي ديمتري مدفيديف مسألة الاحتجاجات السياسية التي تلت الانتخابات الاشتراعية الأخيرة في روسيا، وأشاد بالتزامه التحقيق في «العيوب» التي شابت عملية الاقتراع. وأبلغ أوباما نظيره الروسي أن «التعبير عن المجتمع المدني يتطابق مع تحديث روسيا خلال السنوات الأخيرة»، مثنياً على الطبيعة السلمية للتظاهرات وإتاحة موسكو «الشروط الملائمة لتنظيمها في شكل سلمي وقانوني». وكان مدفيديف تعهد الأحد الماضي التحقيق في مزاعم حصول عمليات تزوير، اثر التظاهرات غير المسبوقة التي عمت روسيا احتجاجاً على نتائج الانتخابات الاشتراعية التي فاز بها حزب «روسيا الموحدة» الحاكم، فيما اتهم رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بإشعال الاحتجاجات عبر تشكيكها في شرعية الانتخابات، ومحاولة زعزعة استقرار روسيا عبر تمويلها المعارضة. وأمس، رشح الحزب الشيوعي الروسي، خلال مؤتمره العام ال14 في موسكو، زعيمه غينادي زيوغانوف للانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في الرابع من آذار (مارس) المقبل، علماً أن الأخير أعلن عزمه في حال توليه السلطة إعادة إجراء الانتخابات الاشتراعية التي شهدت اتهامات بالتزوير. وكان الحزب الشيوعي حصد نسبة 19 في المئة من أصوات الناخبين في الانتخابات الاشتراعية التي أجريت في الرابع من الشهر الجاري، في مقابل 49 في المئة للحزب الحاكم. وطرِح ترشيح 4 أشخاص عن الأحزاب الأربعة الممثلة في مجلس النواب الروسي، وهم رئيس الوزراء بوتين عن حزب «روسيا الموحدة»، وسيرغي ميرونوف عن حزب «روسيا العادلة»، وفلاديمير جيرينوفسكي عن الحزب الليبرالي الديموقراطي، وزيوغانوف عن الحزب الشيوعي. كما ترشح للانتخابات البليونير ميخائيل بروخوروف الذي تقدر ثروته الشخصية بنحو 18 بليون دولار، وعدد آخر من المرشحين المستقلين. ويرى زيوغانوف أن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستشهد دورتين، إذ لن يستطيع أحد المرشحين وبينهم بوتين الحصول على نسبة 50 في المئة من الأصوات زائد نقطة واحدة لحسم الفوز من الدورة الأولى. وتظهر استطلاعات الرأي أن بوتين سيفوز بالانتخابات الرئاسية ليعود إلى الكرملين لولاية ثالثة، بعد أن تولى الرئاسة بين عامي 2000 و2008. لكن شعبية رئيس الوزراء تراجعت بعد إعلانه تبادل المناصب مع الرئيس الحالي مدفيديف، ما قد يمنعه من الفوز من الدورة الأولى. أي بوتين «جديد»؟ وفيما بات المشهد السياسي مفتوحاً على كل الاحتمالات بعد التطورات الأخيرة التي أظهرت تزعزع مواقع الحزب الحاكم وزعيمه بوتين، يبدو أن التحدي الأساسي الذي يواجه بوتين وفريقه المخضرم ليس في تنفيذ خطة عودة «سيد الكرملين» إلى موقعه بعد «غياب موقت» استمر أربع سنوات، بل في وضع تصورات لإدارة شؤون البلاد خلال المرحلة المقبلة، تلبي متطلبات جديدة بعدما عكس الحراك الاحتجاجي الذي شهدته المدن الروسية أخيراً انهيار أسطورة «زعيم الأمة» الذي تجمع غالبية الشعب حوله، وحظي لأكثر من عشر سنوات برصيد شعبي حسده عليه زعماء البلدان الأوروبية. وتطرح الأسئلة نفسها حالياً، في ظل افتقاد منافسي «سيد الكرملين» القدرة على تقديم بديل مقنع للشارع الروسي الطامح إلى التغيير: عن أي بوتين يدور الحديث؟ وماذا ستحمل ولاية جديدة للرئيس السابق للبلاد؟ وبعيداً من لغة النسب والأرقام التي منحت بوتين في أحسن الأحوال نسبة 51 في المئة، فالأهم أن رئيس الوزراء يستعد للعودة إلى الكرملين في ظل إدراكه جيداً أن أحوال روسيا تغيرت كثيراً كما تغيرت أحوال العالم. ويعني ذلك أن السياسات السابقة التي استندت إلى ارتفاع كبير في أسعار المواد الخام، المصدر الرئيس للدخل الروس، لن تستطيع تقديم الدعم اللازم للكرملين مع تصاعد حال الإحباط والخيبة في الشارع. ويتحدث خبراء عن تحديات جديدة أمام الزعيم الروسي ليس أقلها شاناً أنه سيعود إلى الكرملين بشرعية دولية ناقصة، وفي ظل ظروف اقتصادية صعبة لن تنجح معها سياسات زيادة بعض الرواتب في الحفاظ على حال الاستقرار الهش السائدة في البلاد. وإضافة إلى التحديات الداخلية، يخوض الكرملين مواجهة جدية مع الغرب لا تقتصر على قضايا التسلح والردع النووي التي عادت إلى الواجهة أخيراً، إذ أن الملفات الخلافية في بداية الولاية الثالثة لبوتين تبدو أكثر من القضايا المتفق عليها مع أوروبا والولايات المتحدة، وبينها الربيع العربي وعلاقات روسيا مع جاراتها ومسألة الحريات الداخلية التي كان الكرملين طواها لفترة من أجندة النقاش مع الغرب. واللافت أن كل ما سبق يذكر بقوة بالمشهد في روسيا وحولها لدى وصول بوتين إلى الكرملين عام 2000 بنسبة 51 في المئة من أصوات الروس، خلفاً لبوريس يلتسين الذي بلغ حينها أبعد الدرجات من الضعف الداخلي والخارجي. وهو اضطر لبذل مجهود كبير لاكتساب صفة «زعيم الأمة» التي يبدو أنها اهتزت بقوة الآن. كما عمل كثيراً لانتزاع اعتراف دولي بدور روسي أساسي على الساحة الدولية، وتجاوز خلافات كبيرة حول ملفات استراتيجية مع حلفاء روسيا وأعدائها في الخارج. وعلى رغم فارق نزول الروس إلى الشارع للمرة الأولى منذ عقدين، لكن المهمات ذاتها تبدو مطروحة أمام سيد الكرملين المقبل مجدداً. وتظاهر في ساحة «بولوتنايا» وسط موسكو أمس، حوالى 1500 من أنصار حزب «يابلوكو» الذي يتزعمه غريغوري يافلينسكي رفضاً لنتائج الانتخابات الاشتراعية التي شهدت نيل الحزب نسبة 3.5 في المئة من أصوات الناخبين، أي أقل من نسبة 7 في المئة المحددة لدخول البرلمان.