لم يتوقع طلاب كلية الصحافة في جامعة موسكو الحكومية، أن يقول لهم الرئيس ديمتري مدفيديف إن الإنتخابات الأخيرة لمجلس الدوما كانت «الأكثر نزاهة في تاريخ روسيا». تساءل بعضهم على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي: «هل يسكن الرئيس في روسيا»!... أم إنه «لم ينتبه» إلى نزول مئات الآلاف من الروس في أكثر من مئة مدينة إلى الشوارع بعد صدور نتائج الانتخابات. ولم يرَ، على رغم أنه «متابع جيد للإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة»، مقاطع الفيديو التي انتشرت بكثافة على الشبكة العنكبوتية، لانتهاكات سجِّلت داخل مراكز الاقتراع وصوِّرت بكاميرات خفية. وكان الرئيس تحول «نجماً» للتعليقات اللاذعة، وتصريحاته تحولت مادة للتندر منذ أعلن عزمه على تبادل الأدوار مع رئيس الوزراء فلاديمير بوتين. وبعدما كان يتمتع بتأييد لا تقل نسبته عن 40 في المئة، هوت شعبيته إلى الحضيض بسرعة لم يتوقعها معارضوه. لكن الأكثر إثارة، أن مدفيديف تلقى بعض «الطعنات» من الظهر، أي من الفريق الذي لم يتوقع بعد اتفاق تبادل الأدوار أن يسدد إليه ضربات، والمقصود طبعاً فريق فلاديمير بوتين، شريكه في الحكم وسيد الكرملين المتوّج سلفاً. ودفع ذلك محللين إلى توقع أن تكون أيام مدفيديف معدودة على كرسي رئاسة الوزراء التي وعِد بها في مقابل تخليه عن أحلام الرئاسة مجدداً، وانخراطه في العمل ضمن الفريق الثنائي تحت قيادة بوتين. ظهر ذلك مباشرة بعد «خطاب التنحي الشهير»، وفق التسمية التي باتت تطلق على كلمة مدفيديف في مؤتمر الحزب الحاكم «روسيا الموحدة»، عندما أعلَن ترشيح بوتين لخلافته، معرباً عن «السعادة» بالعمل تحت قيادة الأخير رئيساً للوزراء. بعد تلك الجلسة مباشرة، بدأ بوتين يتصرف كأنه الرئيس الفعلي لروسيا. وعندما «طرد» الرئيس المسحوبة صلاحياته، وزير المال أليكسي كودرين بعد جلسة حكومية عاصفة، لوّح خلالها الأخير باللجوء إلى رئيس الوزراء للفصل في الخلاف مع الرئيس! لم يتردد بوتين في إعلانه كودرين «شخصية أساسية» في فريقه المقبل. وجاءت الضربة الثانية حين قدّم مدفيديف إلى البرلمان مشروع قانون يعيد إلى الحياة تقليداً كان بوتين ألغاه، يتيح انتخاب حكام الأقاليم مباشرة، وهذا كان واحداً من مطالب المعارضة خلال تظاهراتها. لكن رئيس الوزراء عاد ليرفع «الفيتو» في وجه اقتراح مدفيديف، وشدد على أن سن القانون الجديد ليس ممكناً من دون إضافة بند، يجعل الترشيح لقيادة الأقاليم يمر عبر «فلتر الرئيس»... أي أن بوتين سعى كما كتب معلّق إلى الالتفاف على القانون و «تفصيله على مقاسه رئيساً». واحدة من تلك الضربات جاءت أخيراً، مع توجيه مدير الحملة الانتخابية لبوتين، ستانيسلاف غوفوروخين، انتقادات حادة إلى رئيس البلاد، إذ اتهمه فيها بأنه «لا يعمل كما يجب لدعم الحملة الرئاسية لبوتين». وقال المدير: «لا أرى له دوراً نشطاً، وهذا غريب من شخص بادر إلى ترشيح بوتين لمقعد الرئاسة. ولم يستبعد مراقبون أن يكون ما يحصل حول مدفيديف وضده، مقصوداً لإضعافه أكثر، وتقليص فرصه في لعب دور محوري بعد انتخابات الرئاسة في آذار (مارس) المقبل. وتعززت هذه الفرضية بعد بروز نجم البليونير ميخائيل بروخوروف الذي «ينافس» بوتين، على مقعد الرئاسة، لكن بعضهم لا يستبعد أن «يتنازل في اللحظة المناسبة، في مقابل الحصول على مقعد رئاسة الوزراء». وبات مثل هذه السيناريوات يتكرر بكثرة، بعدما أظهر آخر استطلاعات الرأي أن بوتين قد لا يتمكن من حسم السباق إلى الكرملين من الجولة الأولى، وسيضطر لخوض دورة انتخابية ثانية، يكون منافسه فيها على الأرجح زعيم الحزب الشيوعي غينادي زيوغانوف بأصوات نحو 25 في المئة من الناخبين، ما يعني أن بوتين سيحتاج رصيد بروخوروف الذي منحته الاستطلاعات نحو 12 في المئة لحسم المنافسة. في كل الأحوال، يبدو مدفيديف اللاعب الأقل فرصاً لمواصلة المباراة حتى آخر شوط، كما قال أحد المعلّقين أخيراً، مشيراً إلى أن الأول «حتى لو تسلم رئاسة الوزراء لن يعمّر فيها طويلاً... لقد أدى المهمة المطلوبة. لماذا لا يرتاح في المحكمة الدستورية باعتباره قانونياً، أو حتى على رأس لجنة الانتخابات المركزية؟... هي تحتاج إلى إصلاح بالفعل».