حمل رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين بعنف على المعارضة واتهمها بمحاولة جر البلاد إلى «ثورة ملونة» وأكد أنه مستعد لمغادرة السلطة إذا أظهرت صناديق الاقتراع فقدانه ثقة الشعب. وخاض بوتين أمس، أول «مواجهة» من نوعها مع مواطنيه، بعد ظهور نتائج الانتخابات النيابية التي أثارت سجالات كثيرة في روسيا وحركت موجة احتجاج غير مسبوقة. إذ تحول «الحوار المباشر» مع الروس الذي ينظمه الزعيم الروسي في شكل دوري، منذ عشر سنوات إلى ما يشبه «المحاكمة» لانجازات بوتين خلال السنوات الماضية، وبرزت خلاله أسئلة حادة لم يكن أحد يتوقع أن تطرح على «زعيم الأمة» بينها اتهامات بأنه «لم يف بوعود» وشكاوى بسبب «فساد الطاقم المحيط» به. وشغلت الانتخابات الأخيرة الحيز الأكبر خلال الحوار الذي استمر نحو أربع ساعات ونصف الساعة رد خلالها بوتين على 88 سؤالاً من أصل 1.5 مليون سؤال تلقاها عبر الشبكة العنكبوتية أو الاتصالات المباشرة إلى الأستوديو أو عبر الرسائل القصيرة. وخلافاً للسنوات السابقة التي كانت القضايا المعيشية والملفات الحياتية اليومية ومسائل مثل الرواتب والصحة والتعليم تشغل الحيز الأساس من الأسئلة الموجهة، فإن الجزء الأكبر منها هذا العام تركز على الانتخابات وملفات السياسة الداخلية وإدارة الحكم، ما عكس اتساع تأثير الاحتجاجات التي شهدتها المدن الروسية أخيراً. وسعى بوتين إلى استغلال المناسبة لعرض انجازاته وخططه المستقبلية بعد عودته إلى الكرملين رئيساً، وحدد مهمات رئيسة اعتبرها أهدافاً مطروحة أمام السلطة الروسية بينها تعزيز النظام السياسي وتوسيع قاعدة الديموقراطية وزيادة ثقة الناس بالسلطات. وتحدث عن عزمه الشروع بتنفيذ «إصلاحات عميقة» تدعم استقرار روسيا وتمكّنها من التقدم مع تحديث الاقتصاد وتنويعه. وفي مشهد بدا أنه يستهدف حشد أوسع قدر من التأييد خلفه في انتخابات الرئاسة المقبلة، حضر اللقاء في الاستوديو جمهور واسع من أبرز السياسيين ورجال الاقتصاد والمال والفن والثقافة، وطرح عدد كبير منهم أسئلة على رئيس الوزراء، في وقت كانت اللقاءات المماثلة في السابق تقتصر على الاجابة عن أسئلة المواطنين الروس في الاقاليم المختلفة. واعتبر بوتين أن نتائج الانتخابات الأخيرة كانت «موضوعية» وأن تراجع مواقع حزب «روسيا الموحدة» «طبيعي» بسبب الأزمة، وتجنب الرد مباشرة على اتهامات التزوير وقال إن من حق المعارضة أن تلجأ إلى القضاء. لكنه هاجم بقوة منظمي التحركات الاحتجاجية واعتبر أنهم «ينفذون أجندات خارجية» ويعملون بدفع من أطراف «تسعى إلى التسلل والتأثير في العملية السياسية في البلاد». وزاد أن «البعض يسعى لتفجير ثورات ملونة في روسيا مماثلة لما حدث في أوكرانيا» التي شهدت في عام 2004 ما عرف باسم «الثورة البرتقالية» معتبراً أن «هذه الثورات تهدف إلى ضرب الاستقرار الاجتماعي في البلاد». في الوقت ذاته، اعتبر بوتين أن التظاهرات الاحتجاجية «استهدفت في الحقيقة الانتخابات الرئاسية المقبلة»، وطالب لجنة الانتخابات المركزية ب «وضع كاميرات مراقبة في كل مراكز الاقتراع من أجل سحب البساط من تحت أقدام أي طرف يسعى للتشكيك بصحة نتائج عمليات الاقتراع» في إشارة إلى أن هذه الآلية ستبدأ العمل في انتخابات الرئاسة. وأكد بوتين أنه «مستعد لمغادرة السلطة إذا شعر أن شعبيته تعرضت لهزة»، موضحاً: سأغادر (منصبي) فوراً إذا شعرت أن نسبة التأييد ضعيفة»، لكنه بين أن «نسبة التأييد تظهرها لا في صفحات التواصل الاجتماعي والانترنت ولا في التجمعات في الساحات بل في صناديق الاقتراع». انتقاد اميركا اللافت أن اللقاء لم يتطرق إلى قضايا السياسة الدولية إلا بشكل عابر عندما حمل بوتين بعنف على السيناتور الأميركي جون ماكين الذي نصحه قبل أيام ب «الحذر من ربيع روسي». وتطرق بوتين سريعاً إلى علاقات بلاده مع جاراتها في الفضاء السوفياتي السابق، متحدثاً عن نيته «تعزيز التعاون مع بيلاروسيا وكازاخستان والمضي لبناء مشروع الاتحاد الأوراسي». وكرر أسفه لانهيار الاتحاد السوفياتي الذي تمر هذه الأيام الذكرى العشرون لانهياره، وقال إنه كان «عنصر توازن في العلاقات الدولية التي غدت أحادية القطبية بعد زواله». وقال إنه «لو كان في مركز قرار حينها لناضل من أجل الحفاظ على الدولة».