من منكم يستطيع أن يقول بكل محبة وكل أريحية وهكذا بكل بساطة: لقد غيّرت حياة شاب إلى الأفضل ومن دون رجعة؟! من منكم يحقق رغبتي في أن ينقذ شاباً واحداً؟ لأنني أحياناً أتساءل عند لقائهم: ماذا أرى؟ عجائز هؤلاء أم شباب؟ أليس من العار علينا إذاً أن نترك شبابنا يشيخون مبكراً ويعيشون بيننا بلا أمل أو هدف أو حياة؟! وأرجوكم لا تضعوا اللوم عليَّ ولا على أي أم أو أب، يد وحدها لا تصفق! أعيروني أيديكم المحبة لا كي نصفق سوياً، بل كي لا أطلبها يوماً لأصفع، أصفع نفسي دون ضربكم حاشاكم، سأكتفي بضرب نفسي على التربية هذه التي أعطت لنا كسلاً وتسيباً وعدم شعور بالمسؤولية، والصمت هو سيد الموقف. ممنوع أن نتشاءم، المفروض أن أكتب أن الأولاد والبنات عال العال وكله تمام. إيه، لم لا؟ كله تمام! سأقولها ملء فمي رياء. لِمَ لا؟! أنا معكم متفائلة، لماذا إذاً أجيبوني: لماذا لا يوظفونهم؟ ولماذا لا يلمعون في المحافل؟ ولماذا لا يخترعون؟ ولماذا حتى في لعبة كرة سلة لا يفوزون؟ أظن ومن دون جرح للمشاعر أن العيب فينا نحن، نحن نهدي أطفالنا ألعاباً ولا نهديهم إلى كتاب، نرافق أطفالنا إلى الملاهي والمجمعات ولا ندفعهم إلى المتاحف والمكتبات، وهل هناك متاحف أو مكتبات؟ هناك قرطاسية والإلكترونيات. نعم ما أشطرنا في اقتناء الأشياء؟ نعلّم بعضنا الشراء، بل نبحث في الأسواق عن الغرائب والعجائب والمستنكر ثم نشتكي من الغلاء، ونشتري لأطفالنا ما شاءوا بهدف ألا يبكوا، ما أطيبنا! ننحني أمام بكاء الطفل ولا نعلمه الفرح، نرميه في أحضان المربيات ولا نربي فيه الهوايات والهويات. نحن نتركه أمام الشاشات ولا نحكي له قصصاً قبل النوم، لا نحكي له حكايات عن الماضي وعن الفخر والإنجازات، نتركه يبحث عن جذوره في المقاهي والتويترات والمعسّلات. نعيش وإياهم تحت سيطرة المجتمع الاستهلاكي الذي استهلكنا واستهلك شبابنا، ونسينا أن هوية الشخص مرتكزة على ذاكرته، فأي هوية له نريد؟ وأي انتماء؟ نعم أوافق جداً أن الكل يقدم حلولاً على ورق، لكن لا أحد ينزل الميدان، ميدان السباق لهذه الأحصنة الجامحة (الشباب). فلِمَ السباب ولِمَ الشتيمة والشكوى إذا كان لا أحد يخلق فيه فضولاً وحيوية وانطلاقاً؟ لا أحد منا يفتح نفسه للحياة والتألق والابتكار، ومن ثم نتألم لكل شاب وشابة، لأننا لا نرى في عيونهم بدايات الأحلام، ولا في أناملهم تطريز الآمال، ولا في فرحهم رنات الضحكات، بل رتابة العجائز وتكرار الكسالى. ولمن لم يعجبه كلامي أسأله: حتى متى فنون الاختباء وراء الإصبع والاختفاء وراء التكاذب والتعامي والتخلف؟ نحن وللمرة الألف أكررها أمام مشكلة شبابية صعبة، ومن دون تكاتف الجهود لنشل هذا الجيل من حالة الهروب التي يعيشها، لن نصل إلى بر أمان، فأعيروني أيديكم المحبة في يدي! [email protected]