هل سيبقى عالم الأطفال في الأدب المحلي رهين المخاوف التي تعتري الكتاب لدينا كلما فكروا أن يتخطوا عشوائية وخيال الطفل الذي مازال ينتظر أقصوصة تحكي قصته أو تنبش الجسور التي في خياله أم أن الهوامش التي اعتاد الطفل أن يقدسها في نهاية كل خيال يعيش فيه لا يستطيع أن يجتذب إليه أقلاما إبداعية تنبش الخرافة في أعماقه..وتمكنه من صناعة التجربة الكتابية والمساهمة في تشكيل بيته الإبداعي بنفسه بكلماته غير المنطقية أو بأسئلته المبعثرة. ناصر الجاسم يقول القاص ناصر الجاسم :» الطفل أياً كان بيئته أو عرقه أو سلالته فهو خامة بيضاء ومخيلة نشطة جاهزة للنقش عليها والكتابة فيها وتشكيلها بما يتوافق ويتناسب مع الفطرة الإنسانية الصحيحة ومع الإعداد التربوي الذي يقدم هذا الطفل لعالم الإنسانية أجمع حتى يكون فردا صالحا خاليا من المعوقات النفسية والنوازع الشريرة وعلامات الخمول والكسل والتقاعس والرجوع إلى الخلف وفي الختام هذه التماثيل الجنسية، أي أن التربية إجمالا ومنها الكتابة الأدبية (السرد والشعر) بشتى أنواعهما يعملون على مراعاة هذه الخصوصية وتلك المواصفات المطلوبة لصناعة شخصية الطفل مستقبلا ، لذا كان من الخوف بمكان تردد كثير من الشعراء وكتاب القصة في العالم أجمع من خوض غمار هذه التجربة التي لاتخضع لمعيار صارم يضبطها ، إذ إن التلقي في هذه الحالة يأخذ مسارين اثنين ، المسار الأول تلقٍ شفاهي يكون عبر الجدات أو الأمهات أو عجائز الحي يستلزم لطفل الأدب الشفوي أو الخيال الشعبي وهو أدب شفوي وخيال شعبي قد يضر كثيرا إذ به الكثير من قصص الجن والعفاريت والسحرة التي ترهب مخيلة الطفل وتؤثر على سلوكه في الغد القريب ، والنوع الثاني هو أدب حظي بتقنين وفحص واختبار أعده الأساتذة التربويون في مختبرات الجامعات وفي مصاعد الدرس وصفوف الكتابة في المعاهد الأدبية وأيضا الورش التدريبية التي تهتم بهذا المجال ، فكان أن حصل الطفل على لقمة هنيئة استوت في عدادها فكان أن استوت على الكميات الكافية من ماتحتاجه الذاكرة الطفولية وما تحتاجه النفس البشرية وما يحتاجه قلب وعقل هذا الناشئ فحصل الطفل على مادة أدبية شعرية متمثله في الأناشيد وسردية متمثلة في قصص الأطفال التي امتلأت بها المكتبات المدرسية ومكتبات الأحياء في خارج الوطن من الدول الأوربية فكانت النتائج أن كثيرا من الطلبة ممن حظوا بهذا النوع من التلقي أن شبوا وهم في سلوك نفسي أفضل وأجمل من الطلبة الذين تلقوا الأدب الشفوي من أفواه العجائز وأفواه الأمهات وتحرص كثير من الدول بالاستفادة من تجارب الدول الأخرى أي أن العمل في هذا المضمار ليس خاصاً ببلد معين إذ إنه عمل إنساني عالمي تهتم به منظمات الثقافة والفنون « اليونسكو» ليتلقى أطفال العالم أجمع أدبا رائقا ، ملائما ، منافسا ، خصبا ، منتجا ، فاعلا ، حتى يتحسن ويتطور حال الطفل في العالم أجمع . أما الشاعر والقاص زياد السالم فيقول: الكتابة للطفل والكتابة بالطفل أي أن يكون الطفل هو من يكتب للطفل ، نحن دائما نفرض الوصايا على الأطفال ونحن القادمون من عالم التكاليف بينما الطفل مفتوحة أمامه كل الاحتمالات وهو صاحب مخيلة عميقة وواسعة واستثنائية ، في الدول الغربية هناك أعمال يؤلفها الأطفال لبعضهم وفي تصوري مهما خططنا لأن نؤسس أعمالاً لعالم الطفولة فإننا غير قادرين على مواكبة عالم الطفل ، فالأطفال يعيشون حالة استثنائية سابقة للقوانين والأعراف وعالم أشبه بالغابة العصية على الإدراك وفي هذا يوسف المحيميد الصدد أذكر حينما قرأت كتاب « اللغة المنسية « لإريكو فروا « تحدث عن أن ثلاثة أشخاص يخلقون اللغة ، الإنسان البدائي والشاعر والطفل وهؤلاء الثلاثة قادرون على خلق اللغة وتشكيلها ، ولنتساءل ماهي القوائم المشتركة بين هؤلاء وتكمن تلك القواسم في أنهم لايصدرون في خلق اللغة عن نماذج مسبقة وقواعد ومعايير وهكذا تتشكل اللغة ويتشكل العالم ، أيضا نحن لدينا في العالم العربي انتهكنا حقوق الطفولة مثلما انتهكنا حقوق المرأة وفرضنا الوصاية المطلقة والوصايا الكاملة ، وتصوري كيف نضحي بالأطفال فيما يسمى سباق الهجر مما جعل منظمات إنسانية ترفع تقارير وتطالب دول الخليج بالكف عن انتهاك عالم الطفل والحديث في ذلك متشعب ، ولكنني أرى بأن نتخذ إستراتيجية جديدة في إشراك الطفل نفسه عبر مؤسساتنا ، عبر متاحفنا ، عبر كل النوافذ المشرعة للطفل بحيث يكون فاعلا لخلق مناخ مختلف يسوده التعددية بحيث لانمارس الحجر المعرفي على عالم الطفولة. أما الروائي يوسف المحيميد والذي خاض تجربة الكتابة للأطفال، فيعتقد بأن الطفل لم يحظ باهتمام في الأدب ليس فقط في أدبنا المحلي بل كذلك في العالم أجمع ، فثقافة الطفل بكل ماتحتويه هذه الكلمة من معنى سواء كان في صناعة الكتاب الذي يوجه لطفل أو في مسرح الطفل أو سينما الطفل لم تزل تعيش تخلفاً كبيراً جداً قياساً بما يحيط بنا من عالم متقدم وقد تتضاعف هذه المسألة في السعودية لأنه كل ماحدث حتى الآن من إصدارات لطفل أو من عروض مسرحية لطفل هي مجرد اجتهادات شخصية بمعنى أنه لا يوجد هناك مؤسسات حقيقية في قطاع النشر والمسرح وحتى السينما تعمل بشكل منظم ومخطط له لسنوات مقبلة ، أما الكيفية التي نستطيع من خلالها تقديم مادة أدبية جيدة لطفل فدائما يتنازع في هذا الموضوع فريقان ، فريق المبدعين الذين يراهنون على مالديهم من كتابة إبداعية ، وفريق آخر من التربويين الذين يراهنون على فهمهم لنفسية الطفل وطريقة تربيته والكتابة لطفل يجب أن تراهن على الإبداع ولابد أن يكون الكاتب مبدعا حتى بالإمكان أن يقرأ قليلا في مجال التربية وفي علم نفس النمو مثلا وفي القاموس اللغوي المناسب في فهد العتيق العمرية التي يكتب لها ثم يحاول أن يراهن على مايمكن أن يقدمه من جديد في مجال أدب الطفل ، فكثيرا مما ينشر في العالم إما أن يكون عبارة عن ترجمة لقصص معروفة في العالم وللأسف تترجم بأسماء عرب دون أن يشار إلى أنها ترجمة فحسب وإنما تطرح على أنها مؤلفات جديدة وكتابة تتجه إلى طريقة ما وهي كتابة مؤدلجة أياً كانت هذه الأدلجة سواء كانت اشتراكية أو عبر النظرة الدينية التي تحاول أن تقلم أظافر الإبداع وقدرته على الخيال لأن الكتابة لطفل لابد أن تعتمد بالدرجة الأولى على المخيلة ، فكلما كان الكاتب يمتلك مخيلة طفل يستطيع أن يحلق به كلما كان قادرا على الوصول إليه ولعل أفضل مثال نجده في تجربة « جيدي روانق « البريطانية التي كتبتها ربورتر واشغلت العالم ليس صغارا فحسب بل حتى الكبار. سمير الضامر أما الناقد سمير الضامر فيؤكد: هناك اهتمام بالطفل في الأدب المحلي ولكنه على حد علمي اهتمام ضئيل قائم على جهود فردية من قبل بعض الكتاب والكاتبات الذين لهم اهتمام بهذا الجانب ،ومع كل تقدير لكل هذه الجهود الفردية التي ألفت للأطفال شعرا ومسرحا وقصة إلا أن هذا الأمر يحتاج إلى عناية خاصة من قبل مؤسسات من أهمها مؤسسات التربية التعليمية ورعاية الموهوبين ومؤسسات الإنتاج البرامجي والإعلامي ، والسبب لأن الأعمال التي تقدم للأطفال تحتاج إلى وعي كبير بمدى أهميتها وفاعليتها ، أضف إلى احتياجاتها إلى طاقات إبداعية ودعم مادي كبير للنهوض بأدب الأطفال بوصفه خطابا نهضويا حضاريا ، وليس بمجرد تأليف كتاب أو رسم لوحة أو تأليف موسيقى ولنا أن نتأمل التجربة اليابانية في دعم أدب الطفل فهي تجربة رائدة ناجحة صنعت خطاب الهوية الفكرية الوطنية للطفل الياباني عبر قصصها ورواياتها وأفلامها ، ونقلت المواطن الياباني من رماد الحروب والظلام إلى أنوار العلم والمعرفة والتكنولوجيا. ونحن نستطيع أن نقدم للطفل مادة أدبية تحاكي ذاته وأحلامه ولكن الأمر مرهون بتأسيس المشاريع الثقافية والفكرية التي تتبناها الدولة لأمور الطفل وآدابه وشؤونه ، وهذا الذي لا أظنه موجودا حتى الآن ، وتبقى كتابات الطفل في الأدب المحلي في دائرة ضيقة إلا أن توفر لها البيئة الثقافية التي يتناقلها كل أفراد المجتمع. فهد العتيق الكاتب الروائي يرى بأن لدينا مواهب مثل أي بلد آخر في العالم ومواهب متعددة في كتابة القصة والقصيدة للطفل وكذلك لمسرح الطفل ، كما لدينا أيضا تجارب معقولة نشرت خلال السنوات الماضية ، لكن المشكلة تكمن في أن المؤسسات الثقافية الرسمية لم تدعم مثل هذه المواهب ماديا ومعنويا ، فمن الصعب مثلا على كاتب قصة الطفل أن يطبع الكتاب على نفقته الخاصة ، ولهذا يفترض بالمؤسسات الثقافية مثل الأندية الأدبية وفروع جمعية الثقافة والفنون أن تهتم بهذا الأمر كثيرا ، وأن توجد الحوافز المادية والمعنوية لمن يرتكب مثل هذه الأفعال الأدبية الجميلة ، وأقل شيء عمله هو التكفل بطباعة كتب الأطفال في القصة والشعر مثلما أن على مدارس التعليم العام والخاص أن تركز على هذا الجانب في مادة النصوص والتعبير لكي نربي جيلا جديدا على هذا الفن الجميل ، فن الكتابة الأدبية بشكل عام والكتابة بشكل خاص. أما الكاتبة صفية العنبر، فترى بأن الأدب المحلي لم يعط الطفل حقه الكامل بحيث يبدأ الكتاب في الكتابة للطفل بما يتوافق مع طبيعته العقلية فلابد من إشراك الطفل فيما نكتبه ، فعلى أي قاص حينما يريد أن يكتب قصة لطفل فلابد أن يطلب من الطفل أن يشارك بعفويته في وضع ملامح تلك القصة وذلك عن طريق اختراق عالمه بالأسئلة التي سنجد إجابات عليها من خلال أحاديثه البريئة والعشوائية.