إذا أردت أن تعرف بعض أسباب الإدمان المتزايدة في هذا الزمن، فلا بد لنا من تفهم أن زمن التكنولوجيا هو زمن كسول، وأن الحياة العصرية هي مزيج من الرغبات المتناسقة التي تسبب النزاع والمقاومة، وكلما ضعفت مقاومة الرغبات سقط الإنسان في بئر الإدمان. الإدمان إذاً هو ضعف الإرادة في مقاومة الرغبات الملحة. وعلى هذه السيرة التي تخيفني، حدثتني صديقتي عن دكتور نفسي ظهر في إحدى القنوات يستغرب ميل بعض البشر إلى الإدمان، ويقول إن الله سبحانه وتعالى أوجد في البشر مهدئات طبيعية تتدفق منه كلما مارس أي نوع من الرياضة أو ارتمى في حضن الطبيعة أو في أحضان الحنان والمحبة، فلماذا يلجأ البعض إلى الكيماويات المضرة وعنده العلاج الطبيعي؟ منطق أعجبني، خصوصاً أن الكثير من الناس في هذا العالم الكسول صاروا يستسهلون أي حبة حتى تصبح حبوباً أو سجائر أو كحولاً، وأخيراً صار العلماء يتحدثون عن الإدمان الإلكتروني. لم أصدق! كمان مدمن إنترنت؟ «هادا اللي كان ناقص وزاد الطين بلة! بلا إنترنت بلا نيلة، كانت الحياة من دونهم جميلة!». وتؤكد الدراسة الأميركية أن إدمان التغريد عبر موقع «تويتر» أو تفقد البريد الإلكتروني باستمرار والبلاكبيري، هي أكثر شدة من إدمان التدخين أو شرب الكحول، والبعض قد يصاب بنوبات قلق خطرة ناتجة من إرهاق تكنولوجي وينقلون على إثرها إلى المستشفيات، وهذا صحيح، وأحد الأمثلة هو لمدوّن فرنسي عالج نفسه من علة مواقع التواصل الاجتماعي ووصف تجربته بعد الإدمان في كتاب هو: «كيف تعيش بلا إنترنت». فهو لا يفرق بين إدمان التكنولوجيا وحالات الإدمان التقليدية، معترفاً أنه كان يسعى دائماً إلى زيادة الجرعة ليشعر بمتعة أكبر، حتى أنه وصل إلى مرحلة الشعور بالغضب عند عدم تلقي رد فعل تجاه تغريداته أو رسائله، ويستمر في الإرسال إلى أن يحظى بأي رد فعل. الأمر ذاته حصل مع المدوّنة السويسرية التي كتبت كتاباً لتخصيص المزيد من الوقت للعائلة والترفيه ليتراجع مستوى الاهتمام المتزايد بالتكنولوجيا، خصوصاً أن عشق التكنولوجيا متوافر بسهولة وكلفته بسيطة على الأمد الطويل مقارنة ببقية أنواع الإدمان. ها قد قدمت لكم دراسة أميركية عن حالتين فرنسية وسويسرية، فمن يقدم لي دراسة عن حالة عربية وأي طبيب سيكتشف أن سر مرض هذا الشاب أو الشابة أو العجوز هو إدمان الإنترنت؟ طبعاً لا أحد، «هو فيه طبيب فاضي في خضم هذه الفصول العربية المتتالية؟ ولا فيه مريض فاضي يشتكي»، ولو اشتكى من سيسمعه ونحن صرنا نعيش في بحار تئن فيها الرياح، وقد نقلنا تخبطنا معنا إلى الإنترنت، فالجميع يكتب وهو يشعر بغضب شديد، فتقرأ وتشعر وكأنك لست أمام شاشة لكن في ساحة الوغى، حروب ضروس وبين كل جملة وأخرى جريح، فتترحم على الكآبة. وعلى فكرة الكآبة قليل منها مطلوب أحياناً للفن وللرسم وللشعر وللكتابة، حتى إن أهم الأعمال العظمى في التاريخ الإنساني هي وليدة كآبة ما وسوداوية ما، «يعني اكتئب لك شوية ترى ما راح يصير لك شيء، وخليك في الوسط قبل أن تصاب بإدمان إنترنتي. هو الواحد ناقص؟». [email protected]