هناك أنظمة متعددة لإدارة سعر الصرف. وتختار الدول عادة نظاماً دون آخر بحسب ظروفها الاقتصادية والسياسية لأن لكل نظام التزامات ومتطلبات معينة قد تتوافر في اقتصاد بلد معين ولا تتوافر في الآخر. وإذا استعرضنا أسعار صرف العملات في العالم حالياً نجد أنه من السهولة تقسيمها إلى أربع مجموعات هي: 1 - عملات معومة تخضع لظروف العرض والطلب. وتقع أسعار عملات معظم الدول المتقدمة ذات الاقتصادات الغنية في هذه الفئة مثل اليورو والين والجنيه الاسترليني والفرنك السويسري لأن التعويم يتطلب أن يكون لدى الدولة التي تتبناه احتياطات كافية من العملات الرئيسة في العالم حتى تستطيع التدخل لشراء عملتها أو بيعها إذا ما تعرضت العملة إلى تقلبات بحدود غير مرغوبة تهدد استقرارها خصوصاً أن العملات التي تعوم تكون عادة من عملات الاحتياط الدولي. 2 - عملات معومة مع هامش تحدده السلطة النقدية تسمح للعملة بالتحرك ضمنه صعوداً ونزولاً تجاه عملة رئيسة أو سلة من العملات. وتتبنى العديد من الدول النامية أسعار صرف معومة مع هامش. 3 - عملات مثبتة بسعر صرف محدد تجاه عملة رئيسة كالدولار أو تجاه سلة من العملات. وتستطيع السلطة النقدية في حالة تثبيت سعر الصرف أن تحافظ عليه بأحد أسلوبين: الأول، الاحتفاظ باحتياط عال من العملات الرئيسة والذهب يمكن من تأمين كمية الطلب على العملات الأجنبية بسعر الصرف المثبت لكل الاستعمالات من دون قلق من احتمال عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها. والثاني، تقيد الطلب على النقد الأجنبي بسعر الصرف الثابت بقيود إدارية تحدد كميات استعمال النقد الأجنبي بموجب السعر المثبت حتى تستطيع السلطة النقدية الإيفاء بالتزاماتها لأغراض التعاملات الحكومية وتعاملات القطاع الخاص بمقتضى السعر المثبت. وتلجأ معظم الدول النامية إلى هذا الأسلوب لسهولة إدارته على رغم سلبياته العديدة. 4 - عملات لها أكثر من سعر صرف واحد. وتلجأ السلطة النقدية إلى هذا الأسلوب عندما يكون لديها شح في النقد الأجنبي لذلك تطبق أسعار صرف متعددة لأغراض متعددة بينما يقتصر استعمال سعر الصرف الرسمي على التعاملات الحكومية فقط. ولكن هذا النظام في انحسار مستمر لأن صندوق النقد الدولي لا يسمح به إلا لفترة محددة. ومن المعروف أن أسعار صرف عملات دول مجلس التعاون الخليجي تقع من ضمن الفئة الأولى من المجموعة الثالثة. فعملاتها كلها مثبتة تجاه الدولار باستثناء الكويت التي تبنت التثبيت تجاه سلة من العملات. مع ذلك فإن حصة الدولار تمثل 70 في المئة من هذه السلة بسبب استمرار الدولار عملة الاحتياط الدولي وعملة التجارة الدولية، وبسبب استمرار تسعير النفط بالدولار. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن تثبيت الدولة لعملتها تجاه عملة أساسية معينة مثل الدولار يختلف في نتائجه كثيراً عن نتائج الدخول كعضو في منطقة عملة معينة مثلما كانت الحال في منطقة الجنيه الاسترليني في القرن الماضي. فالعضوية في منطقة عملة معينة فيها التزامات على الدول الأعضاء من جهة والتزامات على الدولة التي تدير منطقة العملة كما كانت بريطانيا تدير منطقة الاسترليني. ومن أهم هذه الالتزامات التقيد بالسياسة النقدية التي تحددها الدولة المصدرة لعملة المنطقة. أما في حال تثبيت أي بلد لعملته بسعر ثابت تجاه عملة دولية كالدولار مثلا فإن هذا لا يلزم الدولة المعنية بأي التزام تجاه السياسة النقدية التي تتبناها الولاياتالمتحدة خصوصاً في مجال رفع سعر الفائدة أو خفضها وإنما لها كل الحرية بإتباع السياسة النقدية التي تراها مناسبة لها وتلائم الظروف التي يمر بها اقتصادها. وإلا كيف تتصرف الدولة التي تختار أسلوب تثبيت عملتها بسلة من العملات؟ هل يمكنها أن تتبع في الوقت ذاته كل السياسات النقدية التي تتبناها الدول المصدرة للعملات المكونة للسلة؟ لذلك يخطئ بعض المحللين عندما يكتبون بأن على دول مجلس الخليجي، بسبب تثبيت أسعار صرف عملاتها تجاه الدولار، أن تتبع السياسة النقدية للولايات المتحدة خصوصاً في مجال سعر الفائدة. فمثلاً عندما تكون حاجة الاقتصاد الأميركي لأسعار فائدة منخفضة لإنعاش الوضع الاقتصادي، قد تكون حاجة دول مجلس التعاون إلى رفع أسعار الفائدة لكبح معدلات التضخم. ويتبنى بذلك مجلس الاحتياط الفيديرالي (المصرف المركزي الأميركي) حالياً أسعار صرف متدنية جداً بهدف إنعاش الاقتصاد الأميركي. وعندما سينتعش الأخير سينتعش بقية الاقتصاد العالمي بسبب ضخامة الاقتصاد الأميركي الذي لا يزال يمثل ناتجه المحلي 25 في المئة من إجمالي الناتج القومي العالمي. وعندما ينتعش الاقتصاد العالمي سيزداد الطلب على صادرات دول مجلس التعاون من النفط والغاز وتزداد مواردها المالية التي ستنعكس على إنفاقها على شراء السلع والخدمات الاستهلاكية والاستثمارية. وإذا واكب هذا الارتفاع بالإنفاق سعر فائدة متدن، فإن معدلات التضخم سترتفع إلى مستويات غير مرغوبة. وبذلك ستبرز حاجة ماسة إلى رفع سعر الفائدة في دول المجلس للحد من تأثير زيادة الإنفاق الحكومي والخاص على معدلات الأسعار بينما قد تظل الحاجة إلى إبقاء سعر الفائدة منخفضاً في الولاياتالمتحدة لفترة إضافية حتى تترسخ قواعد الانتعاش الاقتصادي. من هذا نخلص إلى أن تثبيت سعر صرف عملات دول مجلس التعاون الخليجي بالدولار لا يعني بأي حال من الأحوال التزامها بإتباع السياسة النقدية ذاتها للولايات المتحدة. أما موضوع احتفاظها باحتياطات كبيرة بالدولار أو شرائها لسندات الحكومة الأميركية فهذا موضوع مختلف تحدده العلاقات الاقتصادية والسياسية التي تربطها بالولاياتالمتحدة. * كاتبة متخصصة في الشؤون الاقتصادية - بيروت