أعلن مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي في الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي عن نيته ضخ 600 بليون دولار في الاقتصاد الأميركي على مدى الأشهر الثمانية المقبلة، كحزمة جديدة من حزم التنشيط الاقتصادي وضمن ما أصبح يعرف بسياسة التيسير الكمي. ويتمثل الضخ في شراء سندات خزينة أميركية طويلة الأمد من المصارف والمؤسسات الأميركية. أثار هذا الإعلان اعتراضات من دول الاتحاد الأوروبي وروسيا والهند والصين ودول أميركا اللاتينية، باعتباره إجراء أحادياً لا يأخذ مصلحة بقية العالم في الاعتبار. فالدولار هو عملة الاحتياط الدولية والعملة المعتمدة في التجارة الدولية، كما يرتبط بها الكثير من العملات، اضافة الى ان ديون الولاياتالمتحدة تجاه العالم مقومة كلها بالدولار. والإجراء الذي أقدمت عليه الولاياتالمتحدة سيؤدي إلى خفض قيمة الدولار، ما يعني ان كل دول العالم ستتأثر بانخفاضه من خلال واحدة أو أكثر من القنوات المذكورة، أي من خلال انخفاض القيمة الحقيقية لاحتياطاتها التي تحملها بالدولار وانخفاض سعر صرف عملتها إذا كانت مثبتة بالدولار ومن انخفاض القيمة الحقيقية لديونها الخارجية على الولاياتالمتحدة أو على دول أخرى لكن مقومة بالدولار. وأكثر ما تخشاه الدول الأخرى، ان تؤدي السياسات الأميركية المعتمدة على الضخ المتزايد للدولار إلى إشعال حرب عملات بين دول العالم ذات الأهمية النسبية في التجارة الدولية. اذ ستسعى كل دولة إلى خفض عملتها تناسباً مع انخفاض قيمة الدولار حتى لا تخسر حصتها من التجارة الدولية. كما سيضعف الانخفاض المتوالي في قيمة الدولار، الثقة بعملة الاحتياط الدولي ويثير قلق بقية الدول حول بدائلها الممكنة كعملة للاحتياط الدولي يرتبط بها مباشرة الكثير من العملات. ولا بد من التأكيد مرة أخرى على ما ذكرته في كتابات سابقة وهو ان الوضع الدولي لم يحن بعد للاستعاضة عن الدولار كعملة احتياط. ويخطئ كثيراً من يعتقد ان اليوان الصيني يمكن ان يحل. وسأتناول هنا مناقشة تأثير سياسة التيسير الكمي للدولار على اقتصادات الدول العربية من محورين: المحور الأول، كيف ستتأثر اقتصادات الدول العربية بانخفاض قيمة الدولار، والمحور الثاني، ماذا بإمكان الدول العربية ان تفعله للحد من الآثار السلبية؟ إذا كانت دول أخرى مثل الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين واليابان ودول أميركا اللاتينية اعترضت على سياسة الولاياتالمتحدة الأخيرة، فلم يصدر عن الدول العربية أي اعتراض رسمي حتى الآن. بل على العكس صرح بعض المعنيين بأن هذه السياسات لن تؤثر سلباً على الاقتصادات العربية. لكن الحقيقة هي غير ذلك. فعلى قدر ما يتعلق الأمر بالمحور الأول، يمكن تحديد القنوات التي ستتأثر من خلالها الاقتصادات العربية سلباً في حال انخفاض قيمة الدولار تجاه العملات العالمية الأخرى بالآتي: - انخفاض قيمة كل العملات العربية المرتبطة بسعر ثابت تجاه الدولار بنسبة انخفاض الدولار، ما سينعكس ارتفاعاً على أسعار استيرادات الدول العربية من كل الدول الأخرى عدا الولاياتالمتحدة. وبذلك سترتفع معدلات التضخم المحلية في هذه الدول. وسيكون التأثير أقل قليلاً على الدول العربية المرتبطة عملتها بسلة عملات مثل الكويت أو معومة بهامش معين صعوداً ونزولاً تجاه الدولار مثل الدينار الأردني والجنيه المصري. - سيؤدي انخفاض قيمة العملات العربية إلى تأثيرين على التجارة الخارجية للدول العربية. فمن جهة سترتفع أسعار السلع المستوردة وبالتالي تكاليف الإنتاج في الصناعات التي تستورد مواد أولية من دول أخرى غير الولاياتالمتحدة، ما سيؤثر سلباً في تنافسية الصادرات العربية من السلع والخدمات. أما إذا كانت المواد محلية أو مستوردة بالدولار فستنخفض أسعار السلع المنتجة محلياً ومن ثم ترتفع تنافسية الصادرات العربية لكن ضمن ضوابط. وتشمل هذه الضوابط مدى الارتفاع في أسعار السلع والخدمات الأخرى، منها أجور الشحن والتأمين والنقل ومعدلات الأجور المحلية. - انخفاض القيمة الحقيقية لاحتياطات الدول العربية بالدولار. - تراجع القيمة الحقيقية لديون الدول العربية على الدول الأخرى مثل ديون دول الخليج على الولاياتالمتحدة وبذلك ستصبح هذه الدول اقل ثراء من الوقت الذي أقرضت فيه هذه الأموال. - انخفاض القيمة الحقيقية لبرميل النفط المسعر بالدولار إلا إذا ارتفع سعر النفط بنسبة انخفاض الدولار ذاتها. أما المحور الثاني فيتعلق بما يمكن الدول العربية ان تفعله لتفادي التأثيرات السلبية لسياسة التسهيل الكمي للولايات المتحدة. إذا كان العالم ككل لا يستطيع ان يفعل شيئاً مهماً لتفادي هذه الآثار، لا يمكن الدول العربية ان تفعل أكثر. فعلى مستوى أسعار صرف عملاتها تستطيع هذه الدول ان تربط عملاتها بسلة عملات دولية، لكن الدولار سيظل المكون الأهم في هذه السلة. ويمكنها أيضاً ان تسمح بتعويم عملاتها ضمن هامش معين تجاه الدولار. لكن المشكلة التي ستبرز بالنسبة للدولة النفطية في شكل خاص، ان إيراداتها النفطية المقومة بالدولار ستنخفض بينما ترتفع قيمة نفقاتها، إذا ارتفعت أسعار عملاتها عندما تنخفض أسعار العملة الأميركية. ولتفادي تأثير انخفاض قيمة الدولار على الاحتياطات النقدية العربية، لا بد من تنويعها من جهة وزيادة الاستثمار الحقيقي في مشاريع استثمارية داخل هذه البلدان ذاتها، خصوصاً تلك التي تشكو من بطالة عالية كالمملكة العربية السعودية، وفي بلدان عربية ونامية أخرى. * كاتبة متخصصة في الشؤون الاقتصادية