رغم أنه لا يفتى في السياسة النقدية ومؤسسة النقد في الرياض الا أنني سأفتي. ولكن قبل ان أفتي يجب ان أنوّه أن السياسات النقدية يوجد فيها قولان. قول يعتمد على النظرية theory وقول يعتمد على التطبيق empirical وأحيانا يختلف القولان. هذه الظاهرة يعبر عنها ابوالنقوديين ميلتون فريدمان الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد بعبارته المشهورة: تستطيع ان تقود الحصان الى النبع لكنك لا تستطيع ان تجبره على ان يشرب الماء. في الوقت الذي لا ننصح بفك ربط de-pegging الريال بالدولار. لكن لا شك أنه قد آن الأوان لرفع قيمة Revaluating الريال بالنسبة للدولار. لماذا؟ قبل الجواب لا بد من مقدمة توضح ماذا يعني ربط الريال بالدولار؟ ربط الريال بالدولار يعني ان الدولار هو عملة المملكة في تعاملها الخارجي وبالتالي فان كل المصائب التي تحل بالدولار ستنتقل للريال فاذا انخفض سعر الدولار بالنسبة للعملات الاخرى فسينخفض سعر الريال بنفس النسبة واذا خفّض البنك الفدرالي الفائدة على الدولار ستضطر ساما لخفض سعر الفائدة على الريال. اذن الذي يقرر سياستنا النقدية - الى حد كبير - هو الاحتياطي (البنك) الفدرالي الامريكي وليس مؤسسة النقد. هل يقلل هذا من مكانة المملكة او مؤسسة النقد؟ لا ليس بالضرورة لأن ربط العملات بالدولار تقليد عالمي اتفقت عليه الدول بعد تخليها عن الذهب عام 1945ولا علاقة له بالمكانة او البرستيج. ولكن لماذا الربط اساسا ولماذا اختيارالدولار بالذات؟ لأن التبادل التجاري بين الدول مثل التبادل التجاري بين الافراد لا يتم عن طريق المقايضة (أي: سلعة بسلعة) بل يتطلب وجود وسيط له قيمة ذاتية يثق فيه ويقبله المتبادلون. في الماضي كانت عملات الدول تكتسب قيمتها بربطها (تغطيتها) بالذهب. الآن اصبح الذهب غير صالح كغطاء للمعاملات الضخمة بالضخامة التي يقتضيها الاقتصاد المعاصر ولابد من استبدال الذهب بغطاء تثق فيه الدول وتقبله كوسيط للتبادل. الدولار حتى يومنا هذا هو عملة العالم (تداولا وغطاء) وبالتالي هو البديل الأمثل ليس فقط للدول الصغيرة بل حتى الدول الكبيرة بحجم الصين. الآن بعد أن جار الزمان على الدولار أليس من الأفضل لنا استبدال الدولار بسلة من العملات (لاسيما بعد ميلاد اليورو) كما فعلت الكويت وقد سبقتها الصين ؟ من الناحية النظرية (الاقتصادية) يمكن - بل من المستحسن في ظل تدهور الدولار- استخدام سلة من العملات (أو التعويم اذا كان الاقتصاد قويا) ولكن من الناحية العملية يصعب ذلك. لماذ؟ لأن توفر السيولة liquidity (المقصود هنا بالسيولة هي سرعة التحويل من والى الريال بلا مخاطر) شيء ضروري فعند ما يكون الريال مربوطا بعملة واحدة كالدولار فأنه يصبح من السهل للمتعاملين بالريال - وعلى رأسهم مؤسسة النقد - ان يتابعوا لحظة بلحظة حركة الريال ومعرفة موقعه بالنسبة للعملات وفي أي اتجاه يسير. بينما عند ما يكون الريال مربوطا بسلة من العملات فان العناصر التي تتكون منها السلة لا تسير في اتجاه واحد البعض يرتفع والبعض الآخر ينخفض بنسب متفاوتة في نفس اللحظة وهذا يحعل ساما في حالة قلق دائم. يقال: الكويت نجحت في فك ربط الدينار بالدولار فارتفع سعر الدينار ولم تخفّض اسعار الفائدة اقتداء بالفدرالي. لكن الأقرب للصحيح: الكويت عوّمت الدينار ولم تربطه بسلة من العملات. لماذا؟ لأن الارتباط ليس هو نية ومحلها القلب وانما التزام كالزواج والاشهار ركن من اركانه والكويت لم تعلن مكونات ونسبة كل عملة في السلة وهذا يتنافى مع شروط اشهار الارتباط. الكويت دولة جريئة ولا تجامل فيما ترى انه في صالحها - حتى لو اكتشفت فيما بعد أنها كانت على خطأ - وقد خاضت الكويت تجربة التعدد ومن حق شقيقاتها في مجلس التعاون أن يعرفوا تفاصيل تجربة الكويت والاستفادة منها. الخلاصة: نوصي ببقاء ربط الريال بالدولار. ولكن من الخطأ الكبير بقاء قيمة الريال ثابتة عند السعر الحالي للدولار (وهذا موضوع العواميد الأربعة القادمة). @ رئيس مركز اقتصاديات البترول (مركز غير هادف للربح)