كانت الحرية وما زالت ملهبة للحماسة والفوران، الحرية كلمة منسوجة من المطاط يمكن مطها إلى ما شاء الله لحين الوصول إلى كراسي السلطة، ولا يمنع الوصول من الاستمرار في المط، لم لا؟ وهي مصدر كبير مولد للطاقة وجمالها الفتان يشعر كل فرد بأنها له وحده. كان استخدام «الحرية» وما زال أقصر سلم للوصول إلى السلطة والإمساك بالزمام من خلال حشد طاقات الجماهير، وكل الثوار بشروا بها واستخدموها ثم سحقوها لتتمدد حرياتهم الشخصية وحدها. حتى الانقلابات العسكرية على ظهر الدبابات جاءت باسم الحرية وضد الطغيان لتلد طغياناً جديداً أشد وأقسى، والحركات القومية و»التصحيحية» في العالم العربي تحفل باستخدام هذه الكلمة السحرية، إلا أن ما ينتج في النهاية هو تحكم فئة صغيرة في السلطة وتمتعها بحرية لا حدود لها على حساب حريات الآخرين. وفي زمن مضى اقترنت الحرية بالاشتراكية، كانت الأخيرة هي الموضة السياسية ولو نظرت إلى «أدبيات» نظام مأزوم مثل النظام السوري الماثل في المشهد ستجد الاستخدام المتكرر لمصدر توليد الطاقة والشحن... الحرية. هناك رغبة عارمة من بعض المنظرين بأن تكون الحرية هي المسبب الأول للثورات والاحتجاجات في العالم العربي، فهي أجدى وقعاً لاستمرار الزخم الثوري، لكن الحقيقة أن الاقتصاد هو المسبب الفعلي لتلك الثورات ولما قد يتلوها مما لم يزل تحت السطح في بلاد عربية أخرى، إنه الاقتصاد القشة التي تقصم ظهر الشعارات مهما كان لونها ومن أي خيوط نسجت، لكنه اسم ثقيل لا طعم له مقارنة بالحرية، انظر إلى الغرب - الآن - في أوروبا والولايات المتحدة الأقدم في استخدام وممارسة الحرية - والمستقبل المنشود للعالم العربي - ستجد أن الاقتصاد هو المحرك للاحتجاجات ونزول الجماهير إلى الشوارع احتلالاً وشغباً واحتجاجاً، والصورة هناك حركات صاخبة ضد الجشع وتحكم الشركات والرأسمالية المتوحشة، فالديموقراطية لم تحد من الجشع بل تم التفنن في استخدامها لانتشاره، صحيح أنها لا تقارن بالأنظمة الشمولية التي طوعت كل فن جديد لمزيد من الاستئثار، إلا أن النتائج أمامنا ماثلة في أزمات اقتصادية خانقة متعاقبة تعيشها الديموقراطيات، والواقع أن مشكلة العالم العربي هي مع الجشع... وفساد الإدارة، حتى الذين رفعوا شعار الاشتراكية بزوا غيرهم بصنوف الجشع، ولا يتوقع لمن يرفع شعار الديموقراطية أن يختلف عنهم، فهي شعارات... قطارات ليس إلا للوصول، ولا يعرف الفرد العربي هل هو جزء من العربات أم من القضبان. www.asuwayed.com