يستهل البرنامج الوثائقي الجديد «باكستان السرية» حلقته الاولى ببعض المشاهد الارشيفية المتوافرة للعملية الاميركية السرية في أيار (مايو) من هذا العام لتصفية زعيم تنظيم القاعدة السابق اسامة بن لادن. تمتلك هذه البداية دلالاتها المهمة، والتي ستكشف عنها الحلقة. فبحسب البرنامج الذي تعرضه قناة «بي بي سي» الثانية، لم يكن بالامكان انجاز تلك العملية ابداً، لو لم تتم بالسرية التي أحيطت بها. وأي اتصال أمني أميركي بالحليف الباكستاني، للتنسيق لضرب اسامة بن لادن الذي كان متواجداً لسنوات في باكستان، كان سيعني فرصة حياة جديدة لزعيم «القاعدة». فالحكومة الباكستانية وأجهزتها الامنية، كما جاء في الخلاصات التي توصل اليها البرنامج، ينخرها الفساد، وباكستان بقيت، وطوال السنوات الماضية، الحليف الاقوى، وربما الوحيد في العالم، لتنظيم «القاعدة» وحركة «طالبان»! يحلل البرنامج البريطاني، الذي يعتبر الاول من نوعه العلاقة السرية بين باكستان وحركتي «طالبان» و«القاعدة»، كاستجابة «تلفزيونية» لما ينشر في الصحافة الغربية منذ سنوات عن الدور الخطير الذي تلعبه باكستان في الصراع المتواصل في افغانستان منذ عام 2001. لذلك يستعيد البرنامج، الحوادث التي تناولتها الصحافة المكتوبة، مثل الخدمات التي قدمتها المخابرات الباكستانية، والتي لم تنقطع منذ عشرة اعوام، لمساعدة تنظيم «القاعدة» للهرب من الهجمات الاميركية العسكرية. خصوصاً ان قائداً ميدانياً اميركياً كشف بأن قواته رصدت مكان اسامة بن لادن عام 2004 في منطقة قريبة من الحدود الافغانية الباكستانية، وإنها كانت قريبة من ضربة قاتلة، لولا تدخل جهاز المخابرات الباكستاني، الذي علم بالخطة الاميركية، وسهل لبن لادن ومرافيقه الهرب من الهجمة الوشيكة. وتوفر شهادات لافغان انشقوا عن حركة طالبان، تأكيدات للروايات الرسمية الاميركية، اذ يكشف هؤلاء في مقابلات مع البرنامج البريطاني، كيف كانوا يتلقون، وبعد بداية الحرب الاميركية عليهم عام 2001، مساعدات لوجستية وطبية من السلطات الباكستانية. مثل إعداد اقسام خاصة في مستشفيات مدن باكستانية على الحدود مع افغانستان، لاستقبال جرحى تنظيم «القاعدة» وحركة «طالبان». بل ان الدعم وصل في سنوات لاحقة الى إقامة معسكرات خاصة لتدريب مقاتلي «طالبان» على محاربة القوات الاميركية، وهو الامر الذي نفاه متحدث عن الجيش الباكستاني في مقابلته مع برنامج «باكستان السرية». لكنه اكد في الوقت ذاته وجود معسكرات تابعة ل«طالبان» في الاراضي الباكستانية في الحدود الجبلية الوعرة، والتي يصعب السيطرة عليها من جانب حكومته. وأولى البرنامج البريطاني الاهتمام بموضوع المعسكرات تلك، ففي واحد منها، تدربت مجموعة صغيرة من بريطانيين من اصول مسلمة على عمليات اعداد قنابل وتفجيرها. وهم نفسهم الذين سيتركون بيوتهم في مدن بريطانية مختلفة في صباح يوم صيفي مشمس محملين بحقائب القنابل، متوجهين الى لندن، التي سيفجرون فيها قطارات في عام 2005. وبين مشاهد ارشيفية وزعتها حركة «طالبان» نفسها، صور مروعة، من حفلة توديع احد افرادها الشباب من الذين انهوا تدريباتهم على تفجيرات انتحارية. تظهر تلك المشاهد السحنة الطفولية للشاب اليافع، والابتسامة الحائرة التي لم تفارق وجهه وهو يتنقل بين مودعيه، ثم يصور الفيلم الدعائي، التفجير الانتحاري الذي قام به الشاب ضد مدرعة تابعة للجيش الافغاني، لتظهر في اعلى الشاشة صورة الابتسامة نفسها للشاب الذي قضى في الانفجار. ولأنه من العسير تفهم الاسباب التي تقف خلف دعم مزعوم لباكستان ل «طالبان» و«القاعدة»، يحاول البرنامج ان يقلب الاحجار كلها، ويعود الى التاريخ القريب والبعيد لفهم سر هذه العلاقة الغريبة، ويقدم تفسيرات بعضها تاريخي، كالدور الذي لعبته باكستان في تأسيس حركة «طالبان» في منتصف عقد الثمانينات، خشية منها بان تقوم جارتها اللدود الهند بالاستحواذ على بلد «المتاعب» ذاك. وايضاً يتطرق البرنامج الى اواصر القربى والتاريخ بين افغان وباكستانيين يفصلهم حدود عمرها لا يزيد على نصف قرن، بقيت اقوى من كل التحالفات الرسمية. لكن هذا كله لا يلغي الدهشة مما يكشفه برنامج «باكستان السرية» من وقائع، عبّر عنها عضو سابق في جهاز «سي اي اي» الاميركي عندما قال: «وصلنا الى افغانستان عام 2001، وكنا نعتقد ان العالم كله يتعاطف معنا بسبب ما حدث في الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) في نيويورك، لكن الواقع علمنا اشياء مختلفة، وان العالم تحركه معادلات غريبة احياناً».