ترك مقتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة صباح الثاني من مايو/أيار الحالي قرب العاصمة الباكستانية إسلام أباد، مئات الأسئلة المحيرة ويبدو أن كل تلك الأسئلة لن تجد أجوبة مقنعة لذاتها أبداً. السؤال الأول، هو لماذا كانت مهمة الفريق المهاجم، قتل أسامة بن لادن، وليس اعتقاله، وفقا لما أعلنه الجيش الأمريكي؟ طالما أنه كان بالامكان اعتقاله ومحاكمته على الملأ.
لقد أكدت كل التصريحات والمواقف الأمريكية الرسمية أنه كان بإمكان الولاياتالمتحدة اعتقال زعيم تنظيم القاعدة بدلاً من قتله، لا سيما وأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما كان قد وقع أمر العملية العسكرية ضد بن لادن يوم الجمعة بتاريخ 30 أبريل/ نيسان الماضي أي قبل 4 أيام من تنفيذ العملية صباح يوم الثاني من مايو.
أما السؤال الثاني من حيث الترتيب وفقاً للأهمية، فهو لماذا اختارت الولاياتالمتحدة وتحديداً الرئيس باراك أوباما هذا التاريخ بالذات لقتله علما أنه وفقاً لما صرح به مسؤولوها أنفسهم، كان في مرمى النيران الأمريكية منذ أكثر من عام أي منذ أن عرفوا مكانه من خلال مراسله الخاص الموضوع تحت المراقبة منذ نحو 4 سنوات.
على عكس صدام
ويرى المحلل والصحفي الباكستاني أحمد قريشي أنه رغم عنصر المفاجأة في مقتل بن لادن، الا أن ثمة دلائل وإشارات قوية تلمح الى صفقة أمريكية - باكستانية وراء الإعلان المفاجئ عن مقتله. وهذه الصفقة، وفقا لقريشي مرتبطة بالاستعدادات الجارية بصمت من أجل حل ينهي الاحتلال الأمريكي لأفغانستان.
ويضيف "الواضح أن إسلام أباد قامت بمساعدة واشنطن في الحصول على انجاز يحفظ ماء الوجه ويعجل خروج الجيش الأميركي من الوحل الأفغاني بعد تحقيق الهدف الرئيسي الذي اشعل الحرب والمتمثل بقتل مخطط هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. وكان جلياً أن الحكومة والجيش في اسلام أباد مصممان على التزام الصمت وعدم الخوض في تصريحات المسئولين الأمريكيين بأن مقتل بن لادن إنجاز أمريكي بحت. حتى أن البيان الصادر من وزارة الخارجية الباكستانية أكد أن العملية العسكرية نفذتها قوات أمريكية. ووجه الغرابة هنا هو أن الاستخبارات الباكستانيةوالأمريكية كانتا دخلتا في حرب باردة في يناير/كانون الثاني الماضي بسبب الاختراقات الأمريكية المتكررة للحدود الباكستانية، ولا يمكن لفريق من القوات الخاصة الأمريكية أن يجتاز المسافة بين أفغانستانوالمدينة القريبة من العاصمة الباكستانية حيث قتل بن لادن من دون ترتيب مسبق مع الجيش الباكستاني، الأمر الذي يدعم التقارير التي ترى أن الباكستانيين سهلوا هذا "الانتصار" مقابل أن تقر واشنطن بدور رئيسي لاسلام أباد في أفغانستان.
ويضيف قريشي أن ما يؤكد وجود صفقة هو وجود بن لادن في منطقة عسكرية باكستانية بامتياز تقع تحت رقابة أجهزة الاستخبارات الباكستانية، العسكرية منها والمدنية. ومدينة أبت أباد (المسماة على اسم قائد عسكري بريطاني) الصغيرة لم يكن ممكنا أن يختفي فيها بن لادن لمدة طويلة من دون معرفة الاستخبارات الباكستانية. ويقول معظم الباكستانيين بأن الحصول على دور في افغانستان هو أمر مهم ولكن السماح لجيش أجنبي بتنفيذ عملية عسكرية في العمق الباكستاني هو أمر مهين لمعظم الباكستانيين ويقلل من احترامهم للجيش.
كما أن رفض السلطات الأمريكيةوالباكستانية نشر أي صور لجثة بن لادن ودفنه على وجه السرعة في ظروف غير طبيعية، على عكس ما حصل مع صدام حسين، على سبيل المثل، يشير الى ان الأمريكيين والباكستانيين لم يفصحوا عن كامل الحقيقة في ما يتعلق بما حصل.
تضارب حليفين
وقد تضاربت تصريحات الجهات الرسمية الباكستانية حيال مقتل أسامة بن لادن، إذ أعلن الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري أن باكستان لم تشترك في العملية. وأضاف أن مكانه لم يكن معروفاً لدى السلطات الباكستانية، في تعارض واضح مع تصريح سفير باكستان في واشنطن حسين حقاني، الذي قال إن بلاده ساعدت في تحديد مكان بن لادن، وهو ما يدعم تصريح مدير الاستخبارات العسكرية الباكستانية الجنرال أحمد شجاع باشا، بشأن علم جهازه بالعملية وأنه كان جزءاً منها.
وقالت الاستخبارات الباكستانية إن معلومات أدلى بها فرنسيان اعتقلا قبل شهرين في لاهور، وإندونيسياً اعتقل في مدينة آبت آباد منتصف أبريل/نيسان الماضي أسهمت في تحديد مكان بن لادن. من جهته، شكك مارك كيميت مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشئون العسكرية والسياسية، في تصريحات لقناة "العربية" في إمكانية أن يكون بن لادن قد عاش كل هذه الفترة من دون مساعدة خارجية.
وأضاف كيميت أن احتمال تورط المخابرات الباكستانية في الأمر سيشكل حرجاً كبيراً للعلاقات بين البلدين. وقال كيميت "إن كان بن لادن يحصل على دعم مباشر أو غير مباشر من الحكومة الباكستانية أو بعض دوائر المخابرات الباكستانية أو على دعم مالي، فمن الواضح أنه لم يكن لوحده. فقد مكث أعواما في ذلك المكان وسنعرف ذلك خلال أيام. سيكون أمراً مزعجاً جداً إذا ما وجدنا ارتباطاً بين بن لادن والحكومة الباكستانية، وسيضيف ذلك تعقيداً جديداً إلى التعقيدات بيننا وبين الحكومة الباكستانية. آمل ألا يكون الأمر كذلك، لقد منح المكان والحي الذي عاش فيه وتم إمداده بكل ما يمكنه من مواصلة حياته، فمن الطبيعي أنه تلقى نوعاً من الدعم.
نظرية المؤامرة
وقد علق داميان تومسون في صحيفة ديلي تلغراف البريطانية على مقتل أسامة بن لادن بأنه مع عدم وجود جثة أو صورة أو دليل من الحمض النووي حتى الآن فإن ذلك يفتح المجال لسيل من نظريات المؤامرة. لكن البيت الأبيض يقول إن هناك مطابقة للحمض النووي بين الجثة ونسيج أخذ من مخ أخت بن لادن القتيلة. وأولى هذه النظريات على سبيل المثال جاءت على لسان حركة طالبان التي قالت إن بن لادن ما زال حيا.
وقال الكاتب إن العالم الإسلامي متقبل بطريقة مثيرة للدهشة لما يسميه "المعلومات الزائفة". ولنبدأ بتذكير أنفسنا بأن معظم الناس في الدول الإسلامية يشككون في أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول والملايين منهم يعتقدون بما لا يدع مجالا للشك أن هذه الأحداث كانت من تدبير وكالة المخابرات المركزية الأميركية. وأحد أهم سمات ما يسميه علماء الاجتماع البيئة الطائفية هو أن المتطرفين السياسيين والدينيين يتبادلون بسعادة نظريات المؤامرة، بصرف النظر عن مصدرها.
وأشار الكاتب إلى ما قاله سفير بريطانيا السابق في واشنطن، السير كريستوفر ماير، ردا على ما ورد في الأخبار عن تلك النظريات بأنه لا يُعقل أن يخرج الرئيس الأمريكي على الملأ ليعلن للعالم أن بن لادن مات بدون تقديم دليل على وفاته. وأضاف ماير أنه سيكون هناك دليل -مصور أو للحمض النووي- لإثبات عدم وجود شبح لأسامة بن لادن يجوب جبال تورا بورا.
فائدة سياسية
وعلق الكاتب بأن هذا صحيح وأنه من غير المعقول أن تعلن أميركا وفاة أعتى أعدائها بدون تقديم الدليل المقنع لأي إنسان عاقل. لكنه عبر عن دهشته لعدم تقديم هذا الدليل حتى الآن. وتساءل مضيفا لماذا سمحت بدفن جثة بن لادن في البحر؟ وهل أمريكا بهذه الحساسية حقا تجاه طقوس الدفن الإسلامية حتى أنها مستعدة لتقديم هذه الهدية لأصحاب نظريات المؤامرة؟.
وختم تومسون بأن وفاة بن لادن أمر يمكن للرئيس باراك أوباما أن يعتز به وأنه سيفيده سياسيا. لكن اليمين الأمريكي في مزاج غريب في الوقت الحالي كما تبين من اهتمامهم الشديد بشهادة ميلاد أوباما. وهذا التناقض بعينه استمر لسنوات، والفضل في ذلك يرجع إلى معارضة الرئيس الغريبة لنشر الوثائق ذات الصلة حتى الأسبوع الماضي. لكنه لا يحتمل مثل هذا التأخير عندما يتعلق الأمر بتقديم دليل إثبات على وفاة أسامة بن لادن.
رئاسة ثانية
مهما يكن فان عملية قتل بن لادن سواء من حيث التوقيت أو الطريقة، استهدفت شيئاً واحدا فقط في الحسابات الأمريكية ألا وهو التجديد للرئيس أوباما لفترة رئاسية ثانية، حتى بدون أصوات اليهود الأمريكييين الذين يشكلون بيضة قبان جميع الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
والشيء الوحيد المؤكد جراء قتل بن لادن بهذا التوقيت وبهذه الطريقة وبدون محاكمة، هو أن الرئيس باراك أوباما قد ضمن بالفعل فترة رئاسية ثانية دون أن يقدم أية تنازلات أو هدايا إضافية سواء لليهود الأمريكييين أو لمعسكر اليمين الأمريكي المتطرف. فقد أجمع خبراء ومحللون على أن هذا "الإنجاز" الذي وصفه أوباما "بالتاريخي" سيساعده ويدعمه في الداخل كما في الخارج، لاسيما في الانتخابات الرئاسية القادمة التي كان سيخوضها في ظل منافسة شرسة. وليس أدل على فوز أوباما في الانتخابات المقبلة من مشاعر الفرح التي عبر عنها الشعب الأمريكي فور إعلان أوباما ذاته عن مقتل بن لادن.
كذلك ستستفيد الدعاية الانتخابية لأوباما من الخبر، فهو أي أوباما يحضر لمعركة انتخابية يتوقع أن تستخدم فيها كل الإنجازات التي يقول إنه حققها، سواء في الداخل لناحية إنعاش الاقتصاد بعد الأزمة المالية والاقتصادية التاريخية التي شهدها الاقتصاد الأمريكي منذ 3 سنوات، أو لناحية الانسحاب من العراق، وحتى الحرب التي تشن ضد تنظيم القاعدة في كل أرجاء العالم.
شعار انتخابي
وهكذا سيكون بإمكان الرئيس الأمريكي القول إنه لم ينجح فقط في إعادة العافية للاقتصاد فقط، لكنه أيضاً نجح في قتل أهم زعيم أو قائد إرهابي في العالم، وهو ما سيستفيد منه أوباما والحزب الديمقراطي تالياً في الانتخابات. وقد اعتبر المحلل السياسي المقيم في واشنطن علي يونس، أن قتل بن لادن سيمثل "شعاراً انتخابياً كبيراً" في المنافسة الانتخابية القادمة عام 2012.
وأضاف يونس أن "أوباما لم يخدم في الجيش الأمريكي، وليس لديه أسهم في صفوف العسكر، أو المعسكر الأمني الأمريكي، لكنه يستطيع الآن القول إنه كان بطلاً وساهم في تحقيق انتصار ما، أو حرب ما، على الرغم من أن فلسفته السياسية تقوم على الانسحاب من الحروب التي خاضها جورج بوش.
ويضيف يونس شارحاً "كل الظروف هنا ستلعب دورها، فهي تجمع بين حظ أوباما وكفاءة الاستخبارات الأمريكية بتعاملها مع الباكستانيين في قتل بن لادن، كلها ستساعد أوباما سواء في الانتصار بانتخابات 2012، أو حتى في رفع حظوظ الديمقراطيين، الذين كانوا متهمين من قبل الجمهوريين بأنهم ضعيفون ضد الإرهاب، وأنهم لا يقاتلون الإرهاب ولا يؤتمنون لتوفير الأمان للشعب الأمريكي. فقتل بن لادن في ظل إدارة ديمقراطية، يدحض هذا الادعاء، ويعتبر نكسة للجمهوريين، كون الحرب قامت على باكستان من قبل رئيس جمهوري، وكون هجمات 11 سبتمبر/أيلول جاءت في ظل حكم الجمهوريين، بينما نهاية بن لادن كانت من خلال رئيس ديمقراطي".
وكان الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش قد توعد مرارا بمحاكمة العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر 2001 ولكنه لم يتمكن قط من فعل ذلك قبل تركه الرئاسة في مطلع 2009.
هزيمة غير ممكنة
لكن أي أثر سيتركه مقتل زعيم تنظيم القاعدة على التنظيم ذاته، وعلى العمليات التي اعتاد القيام بها وتنفيذها ضد المصالح الغربية وضد الدول المرتبطة بالغرب؟.
يجمع مراقبون ومحللون عسكريون غربيون أن مقتل بن لادن لن يكون له أثر يذكر على التنظيم أو على العمليات التي سيقوم بها انتقاماً لمصرعه. ويشير هؤلاء إلى حقيقة أن بن لادن لم يكن على اتصال وثيق بقادة التنظيم منذ سنوات عديدة، وأن اهتمامه انصب في خلال تلك السنوات على حماية نفسه. ويقول هؤلاء أن بن لادن نفسه لم يكن حتى على اتصال بقادة الصف الثاني من التنظيم الذين كانوا يتولون قيادته ميدانيا من خلال الخلايا الصغيرة المنتشرة في أمريكا وأوروبا والمغرب العربي وشبه الجزيرة العربية.
ويرى مقربون من تنظيم القاعدة في أفغانستان أن بن لادن ميتاً أقوى من بن لادن حياً حيث أنه سيصبح منارة ونبراساً لكل المؤمنين بأفكاره، ولكل من أحبوه لقيامه بمهاجمة أمريكا. وقد نقل عن قائد القوات المسلحة البريطانية السير ديفد ريتشاردز، إن دول الغرب لا يمكنها أن تهزم تنظيم القاعدة أو الفصائل الإسلامية المسلحة في العالم، وإن الخطر الذي تفرضه القاعدة والفصائل والخلايا التابعة لها حول العالم سيظل يشكل تهديدا للأمن القومي البريطاني على مدى ال 30 سنة القادمة.
أمر غير ضروري
ويوضح قائد الجيش البريطاني أن محاولة إلحاق الهزيمة بالفصائل الإسلامية المسلحة في العالم أمر غير ضروري، وربما لا يمكن تحقيقه موضحا أنه يمكن احتواء ما سماه "التسلح الإسلامي" من أجل أن ينعم الغرب بحياة آمنة.
وقد اعترف جون برينان مستشار الرئيس الأمريكي باراك أوباما لشئون مكافحة الارهاب بأن "القضاء على أسامة بن لادن هو ضربة إستراتيجية لتنظيم القاعدة" لكنه أضاف "هذه الضربة ضرورية، لكنها غير كافية لأن تؤدي إلى زوال التنظظيم".
وأضاف برينان قائلا "من غير المعقول أن بن لادن لم يكن لديه نوع من نظام الدعم في باكستان سمح له أن يعيش مختبئا هناك". لكن برينان رفض التكهن بنوع الدعم، أو في ما إذا كانت الحكومة الباكستانية أو المؤسسات الرسمية الباكستانية لعبت أي دور فيه. وأشار برينان إلى أن قرار الرئيس باراك أوباما لإطلاق الهجوم الذي قتل أسامة بن لادن كان "واحداً من أكثر القرارات جرأة يتخذه أي رئيس أمريكي في التاريخ الحديث".
وعلى عكس الفائدة التي جناها أوباما من قتل بن لادن، فان محللين ومراقبين قالوا أن من سيدفع ثمن مقتل بن لادن هو باكستان وتحديدا الرئيس آصف علي زرداري وربما رئيس الاستخبارات الباكستانية نفسه إضافة إلى مسئولين باكستانيين آخرين.
ويشير هؤلاء إلى حقيقة أن باكستان اعترفت بإن قواتها شاركت القوات الأمريكية في عملية قتل بن لادن. وأكد رئيس الاستخبارات الباكستانية في ذات اليوم مقتل زعيم تنظيم القاعدة وأحد أبنائه في "عملية مشتركة للقوات الأمريكيةوالباكستانية".
وقال المدير العام للاستخبارات الداخلية الباكستانية الفريق أحمد شوجا إن بن لادن قتل هو و3 من حراسه وأحد أبنائه موضحا أنه تم القبض على 6 من أبنائه الآخرين و3 من زوجاته و4 من مساعديه. وضمن نفس الإطار، ذكر مسؤول استخباراتي باكستاني - أن "أن العملية الفعلية نفذتها قوات أمريكية خاصة وقامت القوات الباكستانية بدعمها".
ما هو الرد؟
ويرى آخرون من المحللين أن العلاقات الأمنية الأمريكيةالباكستانية التي شهدت توترا في الآونة الأخيرة على خلفية الغارات الجوية التي شنتها القوات الأمريكية على أهداف بالأراضي الباكستانية، وأدت إلى مقتل مئات المدنيين الباكستانيين. ويقول هؤلاء أن الحكومة الباكستانية ستضغط على إدارة أوباما من أجل أن توقف الغارات الجوية بعد مقتل بن لادن الذي كان أحد المبررات التي تستعملها واشنطن لتنفيذ غاراتها الجوية.
وعن رد التنظيم على هذه العملية، لم يستبعد محللون أن يستهدف مقاتلو القاعدة جهاز المخابرات الباكستانية. وبدوره توقع رئيس المخابرات الباكستانية السابق حميد غول أن يتعرض أمن باكستان للخطر انتقاما لهذه العملية. وقال إنه من الممكن استهداف مواقع باكستانية حساسة. تسريبات مخابراتية
سرب معهد ستراتفور للدراسات الاستخباراتية المعروف بقربه من المخابرات المركزية الأمريكية بعض التفاصيل عن العملية التي استهدفت أسامة بن لادن.
وقال في تقرير مقتضب إن بن لادن قتل في عملية نفذتها قوات أمركية خاصة من المارينز في مدينة أبت أباد الواقعة على بعد 56 كيلومترا عن العاصمة إسلام آباد، بفعل تعاون استخباراتي باكستاني. وبحسب تقرير ستراتفور، كان بن لادن يختبئ في مبنى جديد لا يزيد عمر بنائه عن 5 سنوات مما يوحي أنه أعد أصلا كمخبأ له.
وبحسب شهود عيان في المدينة، شاركت طائرات هليكوبتر أمريكية وسقطت إحداها في العملية التي تمت بين الساعة الواحدة والثانية بعد منتصف ليل الأحد الإثنين بعد معلومات أولية ذكرت أن بن لادن وأحد أبنائه كانا مختبئين في منزل تحت حراسة مشددة لكن دون أي اتصالات لحظة وقوع العملية.
وينقل التقرير عن مسئولين أمريكيين قولهم إن العملية استغرقت 40 دقيقة اشتبك فيها بن لادن وحراسه مع المجموعة المغيرة التي قتلت بن لادن وعددا من حراسه وأحد أبناءه لدى اقتحام المجمع.
اللافت للنظر في تقرير ستراتفور قوله إن الاستخبارات الباكستانية قدمت عونا معلوماتيا، لكن الحكومة الباكستانية لم تعرف بتفاصيل العملية مسبقا، مما يشير إلى أن الخطة بقيت طي الكتمان حتى لحظة تنفيذها.
خفة الحركة
كتب بروس ريدل في مقاله بصحيفة لوس أنجلوس تايمز أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما وضع ضغطا هائلا على أسامة بن لادن و"عصابته" بضربات الطائرات بدون طيار في باكستان، لكن الجماعة على ما يبدو متأقلمة وخفيفة الحركة ومرنة بطريقة ملحوظة.
وقال الكاتب إن القاعدة اليوم لها 4 أوجه، الأول عادي وهو الزمرة الأصلية التي كانت تضم بن لادن ونائبه أيمن الظواهري، وما زالت هذه الزمرة باستثناء بن لادن طبعاً، من قاعدتها في المناطق الوعرة على امتداد الحدود الأفغانية الباكستانية تقدم توجيهات إستراتيجية للجماعة نفسها ولمجتمع الجهاديين في أنحاء العالم.
والوجه الثاني لتنظيم القاعدة هو رابطة الشبكات الإرهابية (إما العلنية أو السرية) مع الجماعة في باكستانوأفغانستان. وجماعة طالبان باكستان المسئولة عن محاولة التفجير الفاشلة في ميدان تايمز سكويرفي مايو/أيار 2010 هي الحليف العلني مع بن لادن. ومجموعة عسكر طيبة التي نفذت هجوم مومباي قبل عامين هي الحليف السري مع القاعدة.
وأضاف أن طالبان أفغانستان ما زالت الشريك الرئيسي للقاعدة في أفغانستان. ورغم أن طالبان غالبا تعمل مستقلة فإنها تنسق أيضا عمليات مشتركة مع القاعدة، كما حدث في الضربة القاتلة على قاعدة المخابرات الأميركية في خوست في 31 ديسمبر/كانون الأول 2009. وهذا الهجوم الذي قتل 7 أمريكيين كان عملية مشتركة للقاعدة وطالبان الأفغانية وطالبان باكستان.
أما الوجه الثالث للقاعدة فيمكن أن يشاهد في أفرعها الإقليمية في أنحاء العالم الإسلامي. وهذه تشمل تنظيمات في شمال أفريقيا واليمن وإندونيسيا. وقد تعلمت هذه الأفرع من أخطاء أخواتها وتأقلمت.
وبدأ الجهاديون المستقلون الذين ليس لديهم علاقات رسمية مع الجماعات الإرهابية في أن يصيروا الوجه الرابع للقاعدة. وكانت مذبحة فورت هود بولاية تكساس الأميركية عملا من هذا النوع. وأحيانا يتصل هؤلاء المستقلون بالقاعدة في باكستان أو اليمن ويقدمون أنفسهم مفجرين محتملين ويتلقون تدريبا من الجماعة.
خطاب موحد
وأشار ريدل إلى أن أيديولوجية وخطاب الجماعة هو الذي يوحد كثيرا من أذرع القاعدة. والفكرة التي اعتنقها بن لادن وشريكه الفلسطيني عبد الله عزام الذي توفي منذ فترة طويلة أثناء الحرب ضد السوفييت في أفغانستان في الثمانينيات كانت دائما تتعلق بجهاد عالمي، أي شن حرب ضد الولاياتالمتحدة وحلفائها في أنحاء الأرض لإجبار أميركا على الخروج من العالم الإسلامي والتخلي عن إسرائيل.
ويرى ريدل أن السياسات الذكية التي تعزل تنظيم القاعدة عن أغلبية المسلمين، بالإضافة إلى مواصلة الهجمات على ملاذاته وأيديولوجيته من المرجح أن تؤدي في النهاية إلى القضاء على الجماعة. وهذا هو النهج الذي اتخذه أوباما، أي الهجوم على خطاب وأيديولوجية القاعدة. وخطاباته في تركيا ومصر ومبادرته للسلام مع الإسرائيليين والفلسطينيين وجهوده للتقارب من أغلبية المسلمين الذين رفضوا القاعدة كانت كلها جزءا من هذا الجهد.
إعلان الحرب
شن تنظيم القاعدة عدة هجمات على المصالح الأمريكية بدءا من تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993 والذي أدى إلى مقتل ستة أشخاص. وكان بن لادن المشتبه به الأول في الهجوم على الجنود الأمريكيين بالسعودية عام 1995 و 1996. كما اتهم بتدبير الهجمات على السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998 ما أدى إلى مقتل 224 شخصا.
واتهم تنظيم القاعدة في أكتوبر/تشرين الأول 2000 بالمسئولية عن الهجوم على المدمرة الأمريكية كول في عدن، ما أدى إلى مقتل 17 بحاراً. وبعدما تبرأت عائلته منه وجردته السعودية من جنسيتها، انتقل بن لادن للعيش في السودان عام 1991 ثم انتقل لاحقا إلى أفغانستان قبل أن تستولي طالبان على كابول عام 1996.
واستطاع بن لادن كسب دعم وولاء تنظيم طالبان بفضل سخائه وأمواله. أصدر بن لادن فتاوى دينية ضد الجنود الأمريكيين وأدار معسكرات تدريب كانت تهدف إلى إعداد مقاتلين دوليين. وشمل أنصار بن لادن مجندين من وسط آسيا وجنوبها وجنوبها الشرقي والشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا إذ وحدهم كرههم للولايات المتحدة وإسرائيل والحكومات الإسلامية المعتدلة في محاولة لتطبيق فهم متشدد للإسلام.
وشنت واشنطن بعد الهجمات على سفارتيها في أفريقيا عام 1998 ضربات جوية ضد معسكرات تدريب خاصة بالقاعدة لكن بن لادن لم يصب بأذى آنذاك. وبعد الهجمات على الولاياتالمتحدة عام 2001، قررت واشنطن غزو أفغانستان وإنهاء حكم طالبان. وهرب بن لادن من جبال تورا بورا وتوجه إلى باكستان بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001. لكن غزو العراق عام 2003 ساعد القاعدة في تجنيد أنصار جدد بسبب معارضة الحرب في العالم الإسلامي. اريبيان بزن